وزير المالية : عجز الموازنة يرتفع 400 مليون دينار بسبب الازمة الاقتصادية العالمية
المدينة نيوز – عمان - قال وزير المالية المهندس باسم خليل السالم ان الوضع المالي خلال هذا العام صعب للغاية، ''لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي حيال ذلك''.
وتوقع المهندس السالم ارتفاع عجز الموازنة بحوالي 400 مليون دينار عن الرقم المستهدف في القانون والبالغ 689 مليون دينار، وذلك اعتمادا على الظروف الاقتصادية الإقليمية والعالمية.
وقال ''في حال استمرار هذا الوضع كما هو خلال الربع الأول فان ايراداتنا المحلية خلال عام 2009 ستقل عن مستواها المقدر في قانون الموازنة بما لا يقل عن 500 مليون دينار، وفي ضوء ذلك يتوقع ان يرتفع عجز موازنة هذا العام ليصل إلى حوالي 1ر1 مليار دينار متجاوزاً مستواه المستهدف بحوالي 400 مليون دينار''.
وأكد السالم أن التضارب في مؤشرات أداء القطاعات الاقتصادية خلق تباينا في آراء المحللين، مشيرا إلى أن بعض المؤشرات الإيجابية تبرز في زيادة احتياطيات المملكة إلى أكثر من 8 مليار دولار، والتراجع في عجز الحساب الجاري والانخفاض في معدلات التخضم إلى 5ر4% في أول شهرين، واستقرار أداء بورصة عمان في الربع الأول.
وتابع وزير المالية، تحقيق الاقتصاد الوطني لمعدل نمو حقيقي نسبته 4% خلال الربع الاخير من عام 2008 مقارنة مع 5ر5% خلال نفس الربع من عام 2007 يدل على أن اقتصادنا بدأ يشهد حالة من التباطؤ، كما أن تباطؤ حجم التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك وتراجع الطلب في بعض القطاعات كالعقارات والسياحة يؤكد على حالة التباطؤ هذه مما يستدعي اتخاذ إجراءات تحول دون تعمقها.
وتناول السالم - في أول حديث تفصيلي حول الوضع المالي للحكومة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية - أداء الاقتصاد خلال الربع الاول من عام 2009.
وقال ان هذا الأداء ''لم يكن ايجابيا وكان أقل بكثير من المستوى المستهدف، حيث سجلت الايرادات من ضريبة المبيعـات تراجعـا بنسبة -9ر0% مقارنة بالربع الاول من عام 2008 وحصيلة دائرة الاراضي والمساحة -33% والجمارك -3% والايرادات الأخرى (باستثناء ضريبة الدخل) -7ر2%، أما حصيلة ضريبة الدخل فقد سجلت نموا ايجابيا بنسبة 37%، ومحصلة لذلك نمت الايرادات المحلية بنسبة 8% فقط، علما بأن نسبة النمو المستهدفة في قانون الموازنة لتحقيق العجز المستهدف تتجاوز 19%'' مشيرا إلى أنه ''لو تم استثناء ضريبة الدخل فان الايرادات المتبقية قد سجلت خـلال الربع الأول من هذا العام تراجعا بنسبة -7ر4%''.
وأكد أن الحكومة ستتخذ مجموعة من الإجراءات والتعديلات التشريعية على بعض القوانين لمواجهة الأزمة، ضمن خطة تستهدف ضبط النفقات وجذب الاستثمارات، بعد استبعاد خطة التحفيز البالغة قيمتها 183 مليون دينار من حسابات الحكومة، بسبب التراجع في الإيرادات.
وقال ''أننا لن تقف مكتوفي الأيدي حيال هذا الوضع الصعب والمتمثل في توقع تباطؤ معدل النمو الاقتصادي وتداعياته السلبية على مستويات البطالة والفقر من جهة، واتساع فجوة العجز في الموازنة العامة وحالة من انعكاسات سلبية عديدة وخاصة على حجم المديونية العامة وما يترتب على ذلك من تداعيات، من جهة أخرى''.
وعدد وزير المالية أبرز الخطوات التي تعتزم الحكومة تنفيذها لتخفيف وطأة الأزمة، والمتمثلة ''بالبدء بتنفيذ استراتيجيات إصلاحية عنوانها الأساسي الاستثمار المحفز للنمو والمولد للإيرادات من جهة وضبط وترشيد الإنفاق وزيادة كفاءته وفعاليته من جهة أخرى''.
وكشف عن عزم الحكومة إجراء تعديلات تشريعية على قوانين العمل والسياحة والطاقة والاستثمار والإسكان بالإضافة إلى قانون الضريبة الموحد، وتوحيد الجهات المنظمة للمناطق الحرة وتعزيز عملية ترويج الاستثمار والاعتماد بشكل أكبر على الاقتراض الخارجي في تمويل العجز للاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة الدولية، بالإضافة إلى دعم أسعار الفائدة للمواطنين المستفيدين من مبادرة سكن كريم لعيش كريم وإجراء تخفيضات على النسب الجمركية وغير ذلك من الاجراءات والتشريعات التي ستعطي في مجملها دفعة قوية لتحفيز النشاط الاقتصادي وخاصة على المديين المتوسط والبعيد.
ولم يتوقع وزير المالية أن تؤدي هذه التعديلات التي ينتظر تطبيقها اعتبارا من العام القادم إلى تخفيض الايرادات خلال عام 2009، مع توقعه في الوقت ذاته أن ''تسهم هذه التعديلات في جذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز الاستثمارات المحلية وتقليص التهرب الضريبي بشكل ينعكس ايجابا على اقتصادنا الوطني وعلى موازنة الدولة''.
وأكد أن الإعفاءات التي كانت تمنحها القوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمار سيتم الإبقاء عليها ولكن سيعاد هيكلتها، لتشمل الإعفاءات الجمركية والضريبية كافة المشاريع، وإلغاء اعفاءات ضريبة المبيعات، لكن مع اعطاء المسثمر الحق باسترداد هذه الضريبة خلال مهلة محددة لا يمكن تجاوزها، إلى جانب الإبقاء على الاعفاءات الممنوحة للمشاريع في المناطق البعيدة بهدف توزيع مكاسب التنمية على كافة محافظات المملكة، والموجودة في قانون المناطق التنموية وقانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
وفيما يلي نص الحوار : -
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مدى تأثر الاقتصاد الأردني بالأزمة العالمية وكانت هنالك آراء متضاربة ومتباينة في هذا المجال ، ما هي حقيقة الأمر من وجهة نظركم؟ وهل لك أن تطلعنا على أحدث التطورات الاقتصادية؟ ''
السالم: اشكركم على استهلالكم هذه المقابلة بطرح هذا السؤال الهام، وحتى اجيب عليه لا بد بداية من التاكيد على ان الاقتصاد الاردني يتأثر ايجاباً وسلباً بما يحدث على الساحة العالمية والاقليمية من تطورات، وعليه فانه ليس بمنأى عن تداعيات الازمة المالية والاقتصادية العالمية، لكن ما ينبغي الاشارة اليه في هذا المجال بأن مدى تأثرنا بالازمة المالية العالمية يرتبط الى حد كبير بمدى تعاملنا مع الاسواق المالية العالمية، وتعاملنا مع هذه الاسواق كما تعلمون وخاصة في مجال الانشطة المتعلقة بالمشتقات المالية والاودات المالية الاخرى محدود للغاية الامر الذي جنبنا المخاطر التي اصابت البلدان الاخرى. أما تعاملنا وروابطنا الاقتصادية والتجارية مع محيطنا الاقليمي والدولي فهو تعامل قوي، الامر الذي سيجعلنا نتأثر سلبا بما يجري في هذا المحيط من تطورات واحداث ، والتوقعات تجمع على ان الاقتصاد العالمي سيشهد تراجعًا واضحاً خلال عام 2009 وهذا من شأنه التأثير على اداء اقتصادنا الوطني وعلى معدل نمو ناتجنا المحلي الاجمالي . وعوداً على سؤالك ، فانني أعتقد أن سبب التضارب في الآراء الذي أشرت اليه يعود الى المؤشرات التي تم الاستناد اليها في الحكم على مدى تأثرنا بالأزمة، فهناك مؤشرات ايجابية وتدل على أن الأداء الاقتصادي خلال الفترة الأخيرة في بعض القطاعات كان ايجابي ومرضي وهنالك مؤشرات كان مستواها أقل من الطموح أو المستهدف في قطاعات أخرى، ومن المؤشرات الايجابية الهامة يمكن القول أن مواصلة ارتفاع الاحتياطيات الاجنبية لدى البنك المركزي ووصولها الى أكثر من 8 مليار دولار يدل على على جاذبية البيئة الاستثمارية المحلية مما يضفي المزيد من عناصر القوة والمتانة لسعر صرف الدينار الاردني وسلامة ميزان المدفوعات بشكل عام، كما أن التراجع الواضح في أسعار المستوردات وخاصة الطاقة والغذاء أثر ايجابا على عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات وعلى مستوى التضخم الذي أخذ بالتراجع بشكل ملحوظ خلال الشهرين الأولين من هذا العام ليصل الى نحو 5ر4% مقارنة بحوالي 15% سجلها خلال عام 2008 كاملا، وفيما يتعلق ببورصة عمان يمكن القول أن هنالك استقرار واضح في أدائها بعد التراجع الكبير الذي سجلته منذ اندلاع الأزمة كغيرها من البورصات العربية والدولية ولعله من المفيد الاشارة في هذا المجال بأن اداء بورصة عمان، على تراجعها مقارنة بمستواها في نهاية العام الماضي، كان الافضل نسيباً مقارنة بالبورصات العربية والعالمية خلال الربع الاول من هذا العام على الرغم من استمرار تداعيات الازمة العالمية على اداء الاقتصاد العالمي.
أما على الصعيد الآخر، فلا يمكن انكار أن هنالك أداء سلبي لبعض المؤشرات الاقتصادية الأخرى ينبغي الانتباه إليها ، لأن استمرار أدائها بهذا الشكل ينذر بمخاطر عدم تحقيق ما نصبوا اليه وما استهدفته خططنا ، فمثلا تسجيل الاقتصاد الوطني لمعدل نمو حقيقي نسبته 4% خلال الربع الاخير من عام 2008 مقارنة مع 5ر5% خلال نفس الربع من عام 2007 يدل على أن اقتصادنا بدأ يشهد حالة من التباطؤ، كما أن تباطؤ حجم التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك وتراجع الطلب في بعض القطاعات كالعقارات والسياحة يؤكد على حالة التباطؤ هذه مما يستدعي اتخاذ إجراءات تحول دون تعمقها. ما أود أن أشير إليه هنا، أن الاقتصاد العالمي اليوم يواجه أزمة حادة لم يشهدها من قبل، ويقوم الخبراء الاقتصاديون الدوليون بمراجعة وتعديل توقعاتهم باستمرار، لكن بكل أسف فان هذه التوقعات يتم تعديلها لتكون أكثر تشاؤما بسبب ازدياد حدة الأزمة يوما بعد يوم وبسبب عدم فعالية الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمواجهة هذه الأزمة. وأحدث التوقعات تشير الى أن معدل نمو الاقتصاد العالمي خلال هذا العام سيكون سالبا بواقع 1%-2%، وهذا الأداء لم يحدث منذ فترة الكساد العظيم وعلى كل حال، فاننا نأمل أن تكون لنتائج دول قمة العشرين التي عقدت مؤخراً في العاصمة البريطانية لندن اثار في احداث تغييرات ايجابية على مسار الاقتصاد العالمي سواء في البلدان الصناعية المتقدمة أو في اقتصادات البلدان النامية.
هذا عن الاقتصاد الوطني بشكل عام، فما هو وضع الموازنة العامة، وهل أدائها خلال الربع الاول كان ايجابياً أم سلبياً؟
-السالم: يعتبر أداء الايرادات المحلية مؤشرا رياديا Leading Indicator مهما لوضع الاقتصاد الوطني، وأستطيع القول بكل صراحة أن هذا الأداء خلال الربع الاول من عام 2009 لم يكن ايجابيا وكان أقل بكثير من المستوى المستهدف، فقد سجلت الايرادات من ضريبة المبيعـات تراجعـا بنسبة -9ر0% مقارنة بالربع الاول من عام 2008 وحصيلة دائرة الاراضي والمساحة -33% والجمارك -3% والايرادات الأخرى (باستثناء ضريبة الدخل) -7ر2%، أما حصيلة ضريبة الدخل فقد سجلت نموا ايجابيا بنسبة 37%. ومحصلة لذلك نمت الايرادات المحلية بنسبة 8% فقط، علما بأن نسبة النمو المستهدفة في قانون الموازنة لتحقيق العجز المستهدف تتجاوز 19%. ولو تم استثناء ضريبة الدخل فان الايرادات المتبقية قد سجلت خـلال الربع الأول من هذا العام تراجعا بنسبة -7ر4%. ومن الجدير ذكره في هذا المجال أن النمو المسجل في حصيلة ضريبة الدخل خلال الربع الاول من هذا العام ما هو الا انعكاس للأداء الجيد الذي حققه الاقتصاد الوطني خلال الثلاثة أرباع الاولى من عام 2008 أي قبل اندلاع الأزمة، وطبيعة ايرادات ضريبة الدخل كما تعلمون هي موسمية وغير مستمرة نظرا لأن الجانب الأعظم منها يتم تحصيله خلال الربع الأول من كل عام.
هذا عن أداء الربع الأول، فما هي توقعاتكم لأداء الموازنة خلال عام 2009 كاملا وهل سيتجاوز العجز حده المستهدف في قانون الموازنة؟
السالم: اعتقد أن عجز الموازنة في عام 2009 في كل الاحوال سيتجاوز العجز المستهدف والبالغ 689 مليون دينار ولكن مدى هذا التجاوز يعتمد على تطورات الاوضاع الاقتصادية الاقليمية والعالمية . ففي حال استمرار هذا الوضع كما هو خلال الربع الاول فان ايراداتنا المحلية خلال عام 2009 ستقل عن مستواها المقدر في قانون الموازنة بما لا يقل عن 500 مليون دينار، وفي ضوء ذلك يتوقع ان يرتفع عجز موازنة هذا العام ليصل الى حوالي 1ر1 مليار دينار متجاوزاً مستواه المستهدف بجوالي 400 مليون دينار. اخذين بعين الاعتبار عدم صرف كامل النفقات المرصودة في الموازنة العامة وذلك على الرغم من اقرار موازنة عام 2009 في اواخر عام 2008 وبالتالي بدء الوزارات والدوائر الحكومية الصرف على مشاريعها الراسمالية في وقت مبكر من هذا العام خلافاً للسنوات الماضية .
هذا يؤكد على ان الوضع المالي خلال هذا العام صعب للغاية، ما هي الاجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة ذلك؟
-السالم: بالتأكيد أن الوضع صعب، ولكننا قادرون على التعامل معه والتصدي لتداعياته فنحن نواجه هذا العام تحديان في غاية الصعوبة الاول توقع تباطؤ معدل النمو الاقتصادي وتداعياته السلبية على مستويات البطالة والفقر والآخر اتساع فجوة العجز في الموازنة العامة وحالة من انعكاسات سلبية عديدة وخاصة على حجم لمديونية العامة وما يترتب على ذلك من تداعيات. في الأدبيات الاقتصادية لا يوجد حل سحري لمواجهة هذين التحديين معا (وخاصة في الدول التي تعاني من ارتفاع في عجز الموازنة وعجز في الحساب الجاري)، لأن علاج أحدهما سيكون على حساب تعمق الآخر، فزيادة الايرادات عن طريق فرض ضرائب جديدة أو تخفيض النفقات عن طريق وقف مشاريع تنموية لتقليص عجز الموازنة سيؤدي الى تراجع أكبر في معدلات النمو الاقتصادي. وزيادة الانفاق العام بهدف زيادة الطلب وحفز النمو في النشاط الاقتصادي ستؤدي الى تفاقم عجز الموازنة، علما بأن مستوى الانفاق العالم في المملكة كما تعلمون مرتفع أصلا بالمقارنة بالعديد من دول العام وتتجاوز نسبته 50% من الناتج المحلي الاجمالي.
هل هذا يعني ان الحكومة قررت الغاء خطة التحفيز التي أعلنت عنها والتي تضمنت تنفيذ مشاريع بقيمة 183 مليون دينار؟
-السالم: اسمح لي أن اشير في هذا المجال الى أن الحكومة لم تقر هذه الخطة من قبل ولم تقرر اعتماد المشاريع التي سيتم تنفيذها في اطار هذه الخطة، وان ما تم فعلا هو تدارس ومناقشة لسبل مواجهة الأزمة من خلال ضخ المزيد من الاموال الحكومية في الاقتصاد عن طريق تنفيذ عدد من المشاريع الاستثمارية المقترحة، والوقت الذي تم فيه مناقشة هذا الموضوع لم يكن يتوفر فيه بيانات فعلية تشير الى التراجع الحاد المتوقع في الايرادات وتوقع ارتفاع العجز الى المستوى الذي أشرت اليه، باعتقادي أن وضع الاستقرار المالي وضبط المديونية العامة هو في غاية الأهمية بالنسبة لاقتصادنا الوطني واتخاذ اجراءات تهدف الى زيادة الانفاق خلال هذا العام هو أمر في غاية الصعوبة. نعم هنالك بعض الدول التي قامت باتخاذ اجراءات توسعية في سياستها المالية لمواجهة الأزمة العالمية، لكن اوضاع هذه الدول وخاصة النفطية منها تختلف عن الاردن، فهي تمتلك فوائض مالية متراكمة من السنوات السابقة ولديها فوائض في حساباتها الجارية، أما في حالة الاقتصاد الاردني فان الوضع مختلف، فالموازنة العامة تعاني من عجز مزمن وأية زيادة في الانفاق ستؤدي في معظمها الى زيادة المستوردات بشكل ينعكس سلبا على الحساب الجاري الذي يعاني هو الآخر من عجز مرتفع، هذا بالاضافة الى ان نسبة الانفاق العام للناتج المحلي في الاردن مرتفعة وتصل الى أكثر من 50% وهو مستوى يفوق مثيله في العديد من دول العالم ولا اعتقد ان زيادته أكثر من ذلك هو أمر صحي ويخدم اقتصادنا الوطني بشكل عام.
اذن ما هو الحل؟ هل نقف مكتوفي الأيدي ونترك مصير اقتصادنا عرضة لهذه التقلبات والتغيرات؟
- السالم: بكل تأكيد لا، والحالة التي نعيشها اليوم تتطلب منا مصارحة انفسنا بهذا الواقع واتخاذ اجراءات اصلاحية للتصدي لتداعيات هذه الأزمة، فقد واجه اقتصادنا الوطني من قبل عدداً من الأزمات والتحديات الصعبة وكانت عملية الاصلاح المستندة الى تضافر جهودنا جميعا وايمان مجتمعنا بأهميتها بالاضافة الى مساعدة الدول الصديقة والشقيقة هي السبيل الذي مكننا من مواجهة هذه التحديات. ولعل تسريع الخطى في اصلاحات النظام الضريبي وفي ادارة الانفاق العام يعتبر احد ابرز محاور التصدي لهذه الازمة وتجاوز تداعياتها. فالتركيز ينبغي ان ينصب على تحسين كفاءة وفعالية الانفاق العام من خلال متابعة وتقييم مؤشرات اداء لهذا الانفاق، وتقييم برامج الوزارات ومشاريعها ضمن اطار برنامج وطني شامل من خلال مراجعات دورية ودائمة لبرامج هذه الوزارات وذلك وفقاً لاسس معيارية مترابطة قوية وشفافة . وبطبيعة الحال فإن هذا يتطلب تبني منظومة واسعة من مؤشرات تقييم الافراد وبذل المزيد من الجهود لجعل عملية تقييم الاداء نهجاً ممارساً من قبل كافة الاجهزة الرسمية لضمان تحقيق النجاح لاسلوب الموازنة الموجهة بالنتائج . وقبل كل ذلك فان الركن الاساسي الذي ينبغي أن نوليه الاهمية القصوى في هذه المرحلة هو الاستثمار باعتباره محركاً رئيسياً للنشاط الاقتصادي، والحل الأمثل لمواجهة تداعيات هذه الازمة وتجاوزها وذلك بتسريع وتيرة النمو الاقتصادي وبالتالي ضبط العجز المالي، فقدرتنا على جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية والمحافظة على الاستثمارات المحلية القائمة وتعزيزها هو الضمانة الاساسية لتحصين اقتصادنا الوطني من الاثار السلبية لهذه الازمة.
اذاً الأمر يتطلب البدء بتنفيذ استراتيجيات اصلاحية عنوانها الأساسي الاسثمار المحفز للنمو والمولد للايرادات من جهة وضبط وترشيد الانفاق وزيادة كفاءته وفعاليته من جهة أخرى.
في الواقع هنالك مجموعة من القوانين والتشريعات سيتم تحديثها وتطويرها وحزمة من الإجراءات تصب جميعها في مصلحة اقتصادنا الوطني ، ففي جانب التشريعات سيتم اجراء تعديلات على قوانين العمل والسياحة والطاقة والاستثمار والإسكان بالإضافة إلى قانون الضريبة الموحد وفي جانب ابرز الإجراءات التي سيتم اتخاذها ياتي توحيد الجهات المنظمة للمناطق الحرة وتعزيز عملية ترويج الاستثمار والاعتماد بشكل أكبر على الاقتراض الخارجي في تمويل العجز للاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة الدولية والحد من مزاحمة القطاع الخاص على التمويل المحلي، وبالإضافة إلى ذلك ستقوم الحكومة بدعم أسعار الفائدة للمواطنين المستفيدين من مبادرة سكن كريم لعيش كريم واجراء تخفيضات على النسب الجمركية وغير ذلك من الاجراءات والتشريعات التي ستعطي في مجملها دفعة قوية لتحفيز النشاط الاقتصادي وخاصة على المديين المتوسط والبعيد.
دعنا نتوقف قليلا عند قانون الضريبة الموحد الذي تحدثت عنه بعض الصحف مؤخرا، هل لك ان تضعنا في صورة التعديلات المقترحة على هذا القانون؟
-السالم: نعم، ان الواقع الذي نعيشه اليوم يستدعي اجراء مراجعة شاملة للنظام الضريبي، تنطلق من المرتكزات والحقائق الرئيسية التالية: هنالك استثمارات دولية هائلة تبحث عن مناخ مناسب وآمن، وهنالك منافسة شديدة بين دول العالم لاستقطابها.
الدول المجاورة التي تنافسنا تتمتع بأنظمة ضريبية أكثر جاذبية وحافزية للاستثمار (دول الخليج ومصر ولبنان).
العبء الضريبي في الاردن مرتفع. ''ينبغي أن تركز عملية اصلاح النظام الضريبي على تحقيق منافع للاقتصاد الوطني وانعكاس ذلك ايجابا على الايرادات المحلية خلال المدى المتوسط والبعيد حتى لو أدى ذلك الى خسارة جانب من الايرادات خلال المدى القصير. وعليه فان الملامح الرئيسية التي سيتناولها القانون الجديد لتعزيز البيئة الاستثمارية في المملكة تتمحور حول اجراء تخفيضات على نسب الضريبة على الافراد والشركات وتأطير الاعفاءات المقدمة للمشاريع الاستثمارية ضمن هذا القانون، فخفض الضريبة على الشركات سيؤدي الى جاذبية البيئة الاستثمارية في المملكة، وخفض الضريبة على الافراد وزيادة الاعفاءات الضريبية الممنوحة لهم سيؤدي الى تحفيز الطلب المحلي بشكل ينعكس ايجابيا على الاقتصاد الوطني، كما أن حصر الاعفاءات الضريبية في قانون الضريبة الموحد يرسخ مبدأ الشفافية والعدالة في المعاملة الضريبية، فالإعفاءات التي كانت تمنحها القوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمار سيتم الإبقاء عليها ولكن سيعاد هيكلتها على النحو التالي: 1.اعفاءات جمركية: سيتم منحها لكافة المشاريع دون استثناء وبحيث لا يكون هنالك تمييز أو محاباة لبعض المشاريع المنتقاة دون غيرها. 2. اعفاءات ضريبة الدخل: بعد اجراء تخفيض ملموس لضريبة الدخل بحيث تكون نسبتها منافسة للدول المجاورة فلا يوجد مبرر لتقديم هذا النوع من الاعفاءات.
3.اعفاءات ضريبة المبيعات: سيتم الغاء هذه الاعفاءات لكن مع اعطاء المسثمر الحق باسترداد هذه الضريبة خلال مهلة محددة لا يمكن تجاوزها.
4.أما الاعفاءات الممنوحة للمشاريع في المناطق البعيدة بهدف توزيع مكاسب التنمية على كافة محافظات المملكة، فسيتم الابقاء عليها في قانون المناطق التنموية وقانون منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.
كثيرا ما نسمع ان نظامنا الضريبي يعاني من اختلالات، لكن للأسف لم يتم اجراء مراجعة شاملة لهذا النظام من قبل، بل كان يتم اتخاذ اجراء بعض التعديلات المتقطعة هنا وهناك فقط لهدف جباية ايرادات لتمويل العجز أو تمويل بعض الصناديق خارج الموازنة، هل قامت وزارة المالية بتشخيص هذا الواقع لمعالجته عند تعديل النظام الضريبي؟
-السالم: نعم ما تفضلت به صحيح، ولكي نكون منافسين في نظامنا الضريبي ينبغي أن يكون سهلا ومبسطا وشفافا ومستقرا، فهذه العوامل لا تقل أهمية عن تخفيض النسب الضريبية أو تقديم اعفاءات عشوائية من خلال محاباة بعض المشاريع دون غيرها، ودلت مراجعتنا المتانية لنظامنا الضريبي الحالي على أنه بكل اسف نظام معقد ومشتت لتعدد القوانين والتشريعات التي تدار من قبل اجهزة رسمية مختلفة وتؤثر به سلبا، ومن الامثلة على ذلك: '' وجود العديد من الضرائب المنفصلة التي تسبق تاريخ فرض ضريبة الدخل وضريبة المبيعات (مثل الضريبة الاضافية )-وجود عدد من الضرائب التي تم استحداثها كضرائب ''ذات غرض خاص.- تعدد الضرائب المتعلقة بالمعاملات مثل ضرائب نقل الملكيه (ضريبة بيع العقار ورسوم التسجيل، الضريبة الاضافية ورسوم الجامعات).
'' هنالك عدد من الرسوم لا يتم اعتبارها رسميا ضرائب لكنها لا تختلف عن الضرائب سوى بالاسم (مثل رسوم الجامعات ورسوم تسجيل الاراضي). - قصور التشريعات في تحقيق العدالة وضعف الالتزام وكثرة حالات التهرب الضريبي.-تركيز جميع الاصلاحات على جوانب انتقائية فقط من نظام الضريبة وليس على النظام الضريبي بشكل متكامل (لغاية الان لم يتم اجراء مراجعة شاملة لكافة قوانين الضريبة وإنما كان يتم فقط مراجعة جزئية لبعض القوانين والتشريعات الضريبية).
ما هي نسب الضريبة التي سيتضمنها هذا التعديل على الشركات أو القطاعات أو الافراد؟
-السالم: في الواقع ما زال هذا الموضوع تحت الدراسة المعمقة لدى وزارة المالية، لكن أستطيع أن أقول بأن تعديل النظام سيتضمن تخفيضا جوهريا على نسب الضريبة في مختلف القطاعات، وفيما يتعلق بالافراد سيتم اجراء تخفيض على النسب الضريبية وسيتم زيادة حجم الاعفاءات بشكل ملموس مع ازالة التعقيدات الموجودة في القانون الحالي والتي تقدم اعفاءات معتمدة على عدد المعالين ونفقات الصحة والتعليم وغيرها كما سيتم مقابلة مختلف شرائح الموظفين معالمة متساوية، وبموازاة تخفيض نسب الضريبة سيتم أيضا اجراء عدد من التخفيضات للنسب الجمركية على عدد من السلع وخاصة تلك التي يتم استيرادها لاقامة المشاريع المحفزة للنمو الاقتصادي.
هل سيؤدي ذلك الى تخفيض حصيلة الايرادات؟
- السالم: نظراً لتوقع البدء بتطبيق التعديلات المقترحة اعتبارً من العام القادم فلن تؤدي هذه التعديلات الى تخفيض الايرادات خلال عام 2009، لكن من المتوقع أن تؤدي الى تخفيض حصيلة الايرادات خلال عام 2010، ونتوقع أن يتم تعويض النقص في الايرادات خلال المدى المتوسط بعد أن تسهم هذه التعديلات في جذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز الاستثمارات المحلية وتقليص التهرب الضريبي بشكل ينعكس ايجابا على اقتصادنا الوطني وعلى موازنة الدولة.
بمناسبة ذكركم لموضوع التهرب الضريبي، هل ستتضمن تعديلاتكم للنظام الضريبي أية نصوص للحد من التهرب الضريبي؟
- السالم: نعم سيركز القانون على هذا الموضوع وسيوليه عناية خاصة، لكن باعتقادي أن تسهيل وفهم نصوص القانون وازالة تعقيداته بالاضافة الى تخفيض النسب الضريبية سيكون له بالغ الاثر في تعزيز الالتزام الطوعي لدى المكلفين والحد من التهرب الضريبي، ومن ضمن القضايا التي سيتطرق اليها القانون ضمن هذا السياق: توحيد المدد القانونية في ضريبة الدخل وضريبة المبيعات واعتماد بنوك لغايات تقديم الاقرارات وتسديد الضريبة والغاء التقدير الجزافي وامكانية تقديم كشف التقدير ذاتيا ومنح المكلف حق المطالبة برد الضريبة وحقه في الحصول على فائدة على المبالغ التي يتم التأخر في ردها مقابل وضع نصوص واضحة وصريحة وتمنع الاجتهاد في فرض غرامة على من يتأخر في دفع الضريبة، وهنا أود أن أؤكد على ان هذه التعديلات ستكون صارمة في التعامل مع التهرب الضريبي أو حتى التأخير في توريد الضريبة وسيتم فرض غرامات لا يستهان بها لضمان تحصيل حقوق الخزينة وفي المواعيد المحددة.
دعنا الآن ننتقل الى موضوع النفقات الذي أشرت اليه في بداية هذا اللقاء، ذكرتم بأن مستوى النفقات مرتفع بالمقارنة مع دول العالم، هل ستتناول خطط الحكومة الاصلاحية موضوع تخفيض النفقات، وان كان ذلك فكيف سيتم؟
- السالم: قد يكون واحد من الاسباب التي أسهمت في وجود الاختلالات في النظام الضريبي هو ارتفاع مستوى النفقات العامة، فبدلا من ان نكيف حجم النفقات مع الموارد المتاحة، كان يتم اجراء تعديلات ضريبية لتغطية المستوى المرتفع من النفقات، وباعتقادي أن اصلاح النظام الضريبي يجب أن يترافق مع تركيز جهودنا نحو ضبط الانفاق كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي.
أقول هذا وأنا مدرك تماما ان جانباً كبيراً من النفقات عديمة المرونة باتجاه التخفيض وعدد كبير من بنود النفقات لا يمكن خفضها أو المساس بها مثل الرواتب وفاتورة التقاعد ومدفوعات الفائدة ومصاريف الصيانة والإدامة ونفقات تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ودعم الخبز وغيرها، لكن ستركز إستراتيجيتنا في هذا المجال على ضبط النمو في الإنفاق العام بحيث يقل عن النمو في حجم الاقتصاد بهدف تخفيض نسبة الإنفاق للناتج وكما دعت إلى ذلك توصيات مجلس الأمة، ويمكن تحقيق ذلك من الخلال التركيز على المحاور الرئيسية التالية: -الحد من عمليات استحداث أية مؤسسات أو هيئات حكومية جديدة. -إعادة هيكلة الجهاز الحكومي بهدف تقليص حجم الحكومة وذلك من خلال إلغاء ودمج المؤسسات ذات المهام المتشابهة. '' ضبط التعيينات الحكومية وحصرها بما هو ضروري فقط. '' التركيز في تمويل المشاريع التنموية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص على أساس (BOT).
- تحسين كفاءة الإنفاق العام وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق بحيث يتم التركيز على تخصيص النفقات الضرورية والهامة والتي تتطلبها ظروف هذه المرحلة، والابتعاد على الإنفاق غير المبرر أو غير المجدي وبعبارة أخرى فإن التركيز خلال هذه المرحلة سينصب على متابعة وتقييم الأداء في الوزارات والدوائر الحكومية وذلك بهدف تحقيق مستوى أعلى من الكفاءة والفاعلية لأوجه أنفاقنا العام والتخلص من أوجه الإنفاق التي لا تنسجم مع أولوياتنا الوطنية حيث أن ذلك هو السبيل العملي والواقعي لتخفيض العجز المزمن في الموازنة العامة .
أخير هل أنت متفائل أم متشائم بوضع اقتصادنا الوطني، وهل هنالك منح أضافية لمساعدة الأردن لمواجهة هذه الأزمة؟
- السالم: في الواقع أنا بطبيعتي متفائل وعليه فإنني على ثقة تامة بقدرتنا على التصدي للتحديات التي يواجهها اقتصادنا خلال هذه المرحلة، وتفاؤلي هذا نابع من دعم ومساندة جلالة الملك لعملية الإصلاح وضرورة استمرارها ومن مؤازرة المواطنين بمختلف شرائحهم لهذه الإصلاحات التي تكفل لنا الابتعاد عن المشاكل التي وقعت فيها كثير من البلدان التي لم تبادر في اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الاستباقية وأود في هذا المجال أن أشير إلى أن الاقتصاد الاردني يقف على أرضية صلبة كثمرة للإصلاحات الكبيرة التي تمكنت المملكة من تنفيذها خلال عقدين من الزمن جعلته واحة للاستقرار ومكنته من احتلال مركزا مرموقا على خارطة الاستثمارات الدولية ، لكن دعني أقول لك أنه لا ينبغي أن يقودنا هذا التفاؤل إلى الركون والتسليم بالأمر الواقع فعلينا أن نعمل وأن يكون هنالك تضافر للجهود وخاصة من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفيما يتعلق بالمنح فإننا نتطلع الى دعم من المجتمع الدولي لمساعدتنا في تنفيذ برامجنا الاصلاحية بشكل يمكننا من الاعتماد على الذات خلال المدى المتوسط.