مبارك والغاز وتجارة السلاح

1-مدخل.
وصلتني تعليقات وتعقيبات عديدة على موضوع مبارك وزمانه.. منها ما يعترض على أن هذا تاريخ، وما لنا وللتاريخ، فلنتحدث عن الواقع. ومنها ما يقول: هذا شأن مصري فلنتحدث عن تشكيل الحكومة عندنا.. ولست أرد في هذه العجالة فحق كل قاريء أن يرى الأمور من زاويته. وأن يرضى وأن لا يرضى. لكن فلننظر قليلاً في الأمور. فأولاً مبارك ليس تاريخاً.. إن مبارك ما زال يدير مصر.. بأزلامه وأعوانه وأذنابه وعملائه الموساد والسي آي أيه.. والمنتفعين من عهده.. وعمر سليمان والفرقة. وهب أن سليمان ومبارك أصبحا من التاريخ، وهو غير صحيح، فكل ما يجري في مصر من تخريب حتى الآن وإلى الغد وبعد غد، ولا تدري ما يجري في انتخابات الرئاسة، ولا ندري هل يسلم المجلس العسكري السلطة أم يصنع انقلاباً عسكرياً تدبر له إسرائيل وأمريكا فهما المتضررتان من الثورة. وقد ثبت لهما من الثورة السورية أن معاندة تيار الجماهير وارد وممكن وأن التسليم بسقوط مبارك كان خطأ كما قالت إسرائيل أكثر من مرة. مبارك على شدة غبائه خطير جداً. لعمالته العميقة الضاربة الجذور. ثم إن مبارك كان يقود القيادات العربية. فكل قيادات العالم العربي كانت مصطفة خلفه، بما في ذلك دول النفط.. ومن دمر العراق؟ ومن دمر قضية فلسطين؟ فتش عن مبارك. ثم لماذا أعاد القرآن علينا قصة موسى في قرابة ثلاثين سورة؟ هل لأنه نموذج غير قابل للتكرار أم لأنه نموذج قابل للتكرار؟ وللعلم فإن «عبلة فوزي» زوجة أحمد عز تسعى لتشكيل حزب سياسي باسم «حزب مصر مبارك» آخر ساعة العدد (4045) بتاريخ 2/5/12.
وإن الذي يخالجكم من ترك موضوع مبارك يخالجني. لكني أجد نفسي مجبراً مشدوداً لخطورة وزخم المعلومات. والبعض يعترض على مصدر المعلومة وهو الأستاذ هيكل. فليعلم الأعزاء أن ما يتاح لهيكل ربما لا يتاح لأحد في العالم. وليكن هيكل ما يكون. هيكل مدرسة في الصحافة والإعلام. رغبنا أم كرهنا. وهيكل مدرسة في التحليل والاستشراف. على كل حال كلنا معرض أن ينقد فيما يكتب، وقد أكون مهتماً بشيء وبعض الجمهور غير مهتم به. هذا وارد. وأما عن تشكيل حكومتنا فقد كتب فيه مئات المقالات. وما عساي أزيد. وربما أخذ الكلام من مثلي بحساسية أنا في غنى عنها. ولن أكتب أحسن ممن كتب في هذا الموضوع. فلتكن المسألة إذاً توزيع اختصاصات.. وعذراً على الإطالة في هذا المدخل.
2-الفصل الرابع عشر من كتاب الأستاذ هيكل مبارك وزمانه الجزء الأول.
عنوان هذا الفصل: حسين سالم!! هكذا مع علامات التعجب. فإذا تعجب هيكل فما نقول نحن عن حسين سالم. وستعرف من هذا الفصل من هم رجال مبارك لتعرف من هو مبارك. وبالمناسبة فقد صدر الجزء الثاني من كتاب مبارك وزمانه وعنوانه: ماذا جرى في مصر ولها وهو في 420 صفحة وأظن أنه صدر قبل شهر، وهو عندي منذ قرابة نصف شهر. وصدر الجزء الثالث أيضاً وهو بعنوان: مصر إلى أين. ما بعد مبارك وزمانه. وهو عندي وقد قرأت قسماً جيداً منهما ولعلي أعرج على ما فيهما. وإن أزعجتكم..
يقول هيكل: عندما ترشح مبارك لرئاسة ثالثة، فإن لم يكن في حاجة إلى سند من أي طرف. فقد عزز مواقعه.. وتمكن من تفريغ محيط النخبة في مصر. فلم تعد تتسع لغيره، أو لمن يختار، إذا جاءت ضرورات للاختيار حتى لمنصب نائب رئيس.. ولم يكن مبارك مستعداً لقبول رجل يجلس خلفه أو يجلس بجانبه في انتظار موعد التغيير أو مفاجأة المقادير، وكان يقول للناس: «إنه لا يريد أن يفرض عليهم بديلاً» وهو كلام في ظاهره حق يخفي وراءه خاطراً ما زال في ضباب المجهول.
لكن الرجل. وهو يؤبد لحكمه «وإلى آخر نبض يخفق، ونفس يتردد» على حد ما قال، ما زال كما كان في أول يوم: سؤالاً بلا جواب.
من هو مبارك بالضبط؟ وماذا يعلم الناس عنه؟ وما الذي علمته له السلطة خلال عشرين سنة مضت قضاها على قمة سلطة «لم يكن يريدها ولم يكن مستعداً لها» كما كان يكرر. وما هي عناصر ثقافته؟ (!!) وماذا أضاف الحكم إليها؟
يقول هيكل في انتقال مفاجيء: ولعل أسباب القلق زادت عندما لاح شبح السيد «حسين سالم» قريباً من مبارك. والعلاقة بين الاثنين تبدت منذ وصول مبارك إلى الرئاسة. في معرض قضية نظرت أمام محاكم فلوريدا، وهي تخص شركة «إيستكو» (شركة الشرق يعني أو الشر!» لنقل المعدات العسكرية الأمريكية الممنوحة لمصر، بمقتضى المساعدات الملحقة باتفاقية السلام مع إسرائيل (لاحظ التناقض. اتفاقية سلام التي لا حرب معها ولا بعدها ومساعدات أسلحة لمن ولماذا؟) فقد كان اسم مبارك بصفته الرسمية مسجلاً في مستندات القضية كواحد من مؤسسي الشركة، وتكلم عنها الصحفي ذائع الصيت جاك أندرسون وأشار إلى مبارك بالاسم في عموده اليومي الذي تنشره مئات الصحف الأمريكية.
لكن الضجة التي ثارت حول القضية هدأت، إلا من حكم صدر غيابياً بمنع حسين سالم من دخول أمريكا. لكن شبح حسين سالم بقرب مبارك بدأ يخرج من الظل إلى ضوء الشمس مع تحول منتجع شرم الشيخ إلى شبه عاصمة سياسية ثانية لمصر، وكان حسين سالم بمثابة العمدة لهذه العاصمة.
يقول هيكل: وذات يوم من سنة88 وجدت حسين سالم أمامي في طائرة سويسرية في مطار القاهرة قاصداً جنيف، فقدم نفسه لي على أنه حسين سالم. وقال: فرصة من السماء أن أتحدث معك أربع ساعات كاملة. وقلت له: إن أسلوب عمله أسلوب رجل عمل في المخابرات. فقال: قرأت كل ما كتبت فأنا أعرفك، لكن سيادتك لا تعرف عني إلا ما سمعته من غيري ومعظمه تشويه. فقلت: سمعت عنك ما هو مثير وخطير. وسأل عن معنى مثير. فقلت: سمعت أنك المسؤول عن توريد ملابس مبارك من محلات «بريوني» وشرح حسين أصل الحكاية. فقال: مبارك صديق قديم من زمن طويل وأنا أحبه (أحبك الذي..) وكان يزور الإمارات للاجتماع مع زايد، وأنا أعرف الإمارات وكنت ممثلاً لشركة النصر وهي شركة المخابرات، وكان الرئيس على موعد مع زايد، فتأخر «الشيخ» دقيقتين، فاعتذر لأنه كان مع جماعة «بريوني» (محل أزياء رجالي إيطالي شهير)، وكانوا يجرون قياساً له، لأن قياسه الموجود عندهم لم يعد مناسباً. وسأل مبارك: إن كان ممكناً أن يعرضوا عليه ما عندهم. ولم لا وأنت في أبو ظبي (هكذا بالنص. يعني ممتلكات خاصة) وفي ظرف أيام يكون ما خاطوه معلقاً في خزانة ملابسك. فسأل هيكل: كم قطعة اختار فقال: ثلاثين قطعة! أصل الحكاية هدية من الشيخ زايد (لك أن تتصور أن المبلغ مئات الألوف!) وقد قرأت في متابعاتي أن الشركة إياها كانت تضع اسم مبارك في نسيج القماش بشكل دقيق وكأنها نمنمات في القماش، وهي اسمه المبارك!). قال هيكل وسألته عن هدايا زوجة مبارك. فقال حسين سالم: سوزي سيدة ممتازة (زيك!) ولها ذوق رفيع (بالفاء)، وهي على صداقة بأسر عدد من الحكام في الخليج (دام العز ودامت الهدايا والبغددة في أموال الشعب!)، وهي تزورهم وهم يزورونها، وبالطبع فهم كرماء في هداياهم، وهي ترد لهم الهدايا. وأحياناً تكون الهدايا مكررة. فطلبوا أن أرى الهدايا قبل إهدائها حتى لا تتكرر! أين الخطأ؟ (لا يا عم مفيش!)
قال هيكل: دع المثير ولننتقل إلى الخطير.. موضوع السلاح. وكنا فوق جبال الألب فقال: نكمل غداً على الغداء في جنيف. فقلت إن نبيل العربي (عديل هيكل) دعاني غداً فقال هيكل نؤجله ونكمل. وحصل. والتقينا على مائدة في فندق (الريزيرف) ووجدت مائدة ضخمة عليها زجاجة نبيذ مفتوحة لا يقل ثمنها عن عشرة آلاف دولار. فقال هيكل: أنا لا أشرب. فقال: ولا أنا. فقلت: فلماذا فتحت؟ فقال: لأن النبيذ المعتق يحتاج أن يتنفس الهواء (يقطع نفسك يا..) فقال: تصرفوا في النبيذ وأنا أدفع لك. فقلت: مثل هذه الزجاجة تغري بموضوع السلاح. فقال: أنا لا أحب تجارة السلاح. وهي خطرة. أرجوك لا تكتب عنها. وإنه هو دخل في موضوع نقل السلاح لا تجارته!! فقلت ومعي وثائقي: إن شركة إيستكو (مطبوعة أيتسكو) (وأظن أنه خطأ) ويملك سالم 51% من أسهمها، وأن مجلس إدارتها يتكون من خمسة أسماء نافذة، وكلهم في صميم القرار السياسي (التجارة والإمارة..) وإن الشركة تلاعبت في أرقام أثمان السلاح. وإن الواشنطن بوست نشرت «لأندرسون» مقالاً بعنوان: (عقود السلاح.. الفضيحة تطبق على الرؤساء في مصر!) واسم مبارك في المقال، والتقرير رفع إلى السادات. وتردد في القضية اسم اللواء منير ثابت مدير مكتب المشتريات العسكرية في واشنطن وأن السادات كلف مبارك بالتحقيق، وردت السفارة الأمريكية في القاهرة: إن نائب الرئيس أي «الموبارك» (أو مباراك) تنوعت الأسماء والهر واحد.. إن مبارك سوف يغطي على التحقيق لأن منير ثابت زوج أخت مبارك! (دقي يا مزيكة!)
وإن المخابرات الأمريكية على علم بالتفاصيل وإنها تدخلت للتسهيل والتشهيل. وإن شركات إسرائيلية داخلة على الخط وبعض الفلسطينيين (بعض زبالة الشعب!) فعلق حسين على كلام هيكل: الأمريكان أولاد(..) هدفهم ابتزاز السياسة المصرية. (وإنت ابن إيه. ويبتزوا فيكو إيه؟) وكان تركيز حسين سالم إن معظم هذه الصفقات لصالح المجاهدين في أفغانستان (طلع حسين سالم قاعدة!!) (وينك يا عادل إمام وفيلمك الإرهابي. صور يا جدع!) ثم قال حسين يدافع عن مبارك: ربما خطر له وقد كان قريباً من موضوع السلاح للدول العربية، ربما خطر له الاشتراك مع بعض زملائه في شيء..» (وسكت حسين سالم عن النباح والكلام غير المباح!) قال هيكل: واضح أنه وصل نقطة لا يستطيع أن يتزحزح بعدها.
وانتقلت إلى بيع الغاز لإسرائيل. فقال: نعم عقدت صفقات غاز لإسرائيل. الغاز يظهر في مصر بغزارة.. ونستطيع أن نصدره (المشكلة مش تصديره..) وسألته عن الأسعار. فقال: هذه صفقات مع إسرائيل لها دواعيها السياسية وهي أكبر مني. (المسألة ببساطة التوريث فالذي يعتمد الحكام العرب إسرائيل باختصار!) وأما الغاز لإسبانيا، فأنا مدين للإسبان فقد أعطوني الجنسية وأكرموني ولا بد أن أرد لهم الجميل (من غاز مزرعتي في مصر!)
ثم تكلم هيكل عن المشهد الأخير لحسين سالم وهو ركوبه لطائرته الخاصة من مطار شرم الشيخ بعد أيام من الثورة (25يناير) ومعه مجموعة صناديق تحتوي على (450) مليون يورو نقداً جديدة، ولا تزال بنفس التغليف الذي صرفت به من البنك المركزي الأوربي. وحطت الطائرة في أبو ظبي. وما زال مصير تلك الملايين مجهولاً. فمن هو صاحبها؟ وماذا جرى لها؟ وأسئلة بغير نهاية فهل نكمل السلسلة؟! ( السبيل )