حكومة الطراونة .. فوز مريح للنجاح !!

فازت حكومة الدكتور فايز الطراونة بنسبة مريحة قاربت اصوات ثلثي المجلس وابتعدت عما لحق بالحكومات السابقة من مبالغة في منح الثقة حين حصدت احداها 110 اصوات في حين لم تدرك حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي الاولى عام 1994 سوى (41) صوتا من اصل (80) حتى بدا للمراقبين ان نسب التصويت قد لا تعني شيئا حين كانت الحكومات ترحل في اعقاب الثقة العالية او تستقر في اعقاب الثقة القليلة!!
لفت انتباهي في حديث الرئيس الذي رد فيه على الثقة ولخص طلبات السادة النواب قوله ان حكومته ستكون «حازمة عند تجاوز القانون» وفي اعتقادي ان هذا الالتزام لو نفذه الطراونة لكان أتى أمرا عظيم وأعاد تعشيب الواقع الاردني مما اصابه وعلق به من تجاوزات قوّضت الى حد كبير الحريات العامة وأصابت الاستقرار حين سمح تجاوز القانون في حالات كثيرة والتعامل معه بالصمت او التطنيش مصالح وطنية مختلفة..
أقول وغيري ايضا نرجو دولة الرئيس الامساك بهذا التعبير (الحزم عند تجاوز القانون) وانفاذه لأنني اعتقد ان هذا الأمر هو الذي يصون الحريات العامة في الدرجة الاولى وليس هو ما يقف في وجهها.. فعن أي حريات نتحدث حين يتم تجاوز القانون.. ولمن هي تلك الحريات.. أليست هي الفوضى والتعدي والاخلال والتسيب والتفريط.. لأن درء المفاسد يا دولة الرئيس أولى من جلب المنافع..
لنطبق القانون بدقة وهذا يحتاج لارادة وثقافة ووعي وانتماء وطني وعندها سيكون السؤال عن اشياء كثيرة بما فيها الحريات فائضا..
هذه الحكومة الآن لواقعيتها ولأنها لم تضرب يدها على صدرها فيما لا تستطيعه هي مؤهلة لما دعت اليه في كلمة الرئيس بعد الثقة حين مدت رجليها على قدر فراشها وقرأت الواقع الاردني المتاح قراءته وليس المخترع.. وما عليها الا ان تبدأ اصلاح الحال ما استطاعت الى ذلك سبيلا..
أل 75 صوتا هي قوة كافية لاختراق العديد من الحواجز وقرع الكثير من الابواب والاشارة بجرأة الى مواقع الخلل.. وهي كافية ان تجعل الرئيس يرى بهذه الأغلبية ولاية كاملة للحكومة يمارسها ولا يشكو منها.. ويأخذها ولا ينتظر ان تعطى ويراكم عليها ولا يرغب تفتيتها او المقايضة بها..
وأل 75 صوتا مع خبرة الرئيس وتأييد شرائح واسعة في الشارع اضافة الى الدعم الملكي وتوافق مؤسسات الدولة واشفاق الاردنيين من كثرة التغيير والخوف من الفشل.. كل ذلك يمد الرئيس الطراونة الآن بطاقة قادرة على ان يبدأ في تحقيق ما اناط الملك بحكومته من مهمات أخطرها التصحيح الاقتصادي الذي وصل حد استعمال الجراحة حين كان آخر العلاج الكي..
الرئيس الطراونة كان جريئاً ان يبين عذره حين تكلم عن تكاليف فصل البلديات حتى لا يبين تقصيره لو سكت وهو يبين ولايته حين تحدث عن خفض الموازنة في القوات المسلحة بـ (100) مليون دينار لاحساس قواتنا المسلحة بحاجة الوطن اليها في السراء والضراء وفي الحرب والسلم وحين يناديها الواجب في الجهاد الأصغر وحتى الجهاد الأكبر المتعلق بالعيش..
بين عذره وهو يتحدث عن عجز الموازنة وعن الدعم وضعاً ورفعاً واعادة موضعة..
اليوم ولما نحس به جميعاً من مخاطر وتحديات تواجه الوطن فانني اعتقد انه لم يعد هناك طرف وطني خارج المعادلة أو تمرين اللياقة المطلوب لعبور المرحلة واذا كانت الحكومات قد ظلت تقف أمام حاجز (من أين لك هذا) فلا تقرع أبوابه بما يكفي لفتحه فان هذه الحكومة الآن حددت المفاتيح من خلال التشريع واصدار قانون اشهار الذمة الذي طال انتظاره رغم توفر مسوداته واستقراره في الادراج. واذا كان الرئيس الطراونة يعجبه الصوت الواحد بصفة شخصية كما لم يعجب غيره. فان كونه رئيساً يعطيه مسؤولية الاحتفاظ باعجابه خارج المسؤولية حين يتعلق الامر بالرأي العام وتصويت البرلمان أو المصلحة الوطنية التي قد تقتضي تجاوز هذا القانون الخلافي جداً حتى وان كان سبيل النواب الحاليين وامتدادهم المستقبلي للوصول الى النيابة..
حكومة الطراونة التي تجاوزت امتحان الثقة قد لا يكون لديها الوقت للاستمتاع بذلك فما زالت الملفات الساخنة تنتظر وهي لن تتحمل المزيد من الانتظار خاصة وان الطريق ما زال طويلاً والوقت أصبح قصيراً وعلى الطراونة ان يقطع المسافة وان يحفظ ظهر الراحلة ليستمر لن يحلم الرئيس ان تدعو له كل الاطراف بالتوفيق فهناك من سيواصل نقده وجلده من محترفي المعارضة الذين يرفعون شعار «لن ترضى عنك..» وهذا أمر طبيعي فالمرحلة صعبة وحجم الأسود فيها أكثر من الأبيض. ولكن الأمل يجعلنا نرى النور في نهاية النفق حتى ولو استعملنا الشموع.. ( الرأي )