واحد وتسعون طفلة ياسمين!

في قيامتهم الأولى تحولوا من أرقام الى عناوين وما من نشيد يليق بهم غير واحد وتسعين طلقة ياسمين، لأنهم بلونه وببكارته وشذاه، ما الذي تبقى للحيّ منا أن يزهد على شهيد أو ارملة شهيد غير مظاهر عضوية للذكورة كاللحى التي نطلقها او نحلقها كل صباح والشوارب التي تنافسنا فيها القطط وغالباً ما تفوز.
من أجل مَنْ أطعموا أصابعهم لجذور الزيتون والسنديان والصُّبير، وقرروا الخروج الى تاريخهم موتاً لموت, بالطبع لهم سابقون ولاحقون وآباء وأبناء، فالخيط لن ينقطع ما دام هناك نسيج انساني ووطني يقاوم العار والنار والعثّ التاريخي.
ولو كانت التحية مع الانحناء يكفيان، لعدنا من حفلة عيد ميلادهم متوازنين واستطعنا النوم بلا كوابيس تعج بالخوذ والمستوطنين والسماسرة واللامبالين.
دافعوا عن حياة قد لا نستحقها نحن الاحياء بل يستحقها شجر باسل حوّل الدمع الى زيت واطفال بعثوا الفارق الحقيقي لا اللفظي بين المهد والتابوت والبندقية والعكاز. هؤلاء هم رحيق تاريخ وذاكرة لا يزال منه بقية، فالشهد والشهيد توأمان كما ان شاهد الزور وآكل لحم أمه توأمان ايضا. ما كان يرتطم بخشب واحد وتسعين تابوتاً ليس جماجم أو بقايا عظام. بل هو الحقيقة الاصلب من اية جغرافيا والأبقى من أي تاريخ، لم يكن في جنازة الميلاد أو القيامة الاولى ثلث مليار عربي، بل نفر قليل من ذوي القربى، تحف بهم أمهات ثواكل وأرامل وأيتام لهم في عيونهم وميض الاشبال في زمن الماعز الذي يطير والوطاويط التي تحاول اغتيال الشمس.
لو ذرفت دمعة واحدة لكل واحد منهم لامتلأت محبرة نظيفة ومحررة من التزوير والممالأة وفقه النفاق.
يكفيهم نيابة عنا نحن المشغولين في السير في جنائزنا ذلك الشجر الذي ودعهم وتلك الجذور والينابيع التي أعدت حفلة استقبالهم.
فهم لا يعرفون مثلنا تسعيرة للموت أو لماء الوجه أو حتى للدم، لهذا سوف يتفرغون للسهر علينا حتى وهم رميم، فلا شيء يشغلهم هناك في باطن الأرض العصي على الاستيطان والتجريف وفي باطن التاريخ العصيّ على التلفيق وصناعة الاناشيد من نشارة الخشب.
هم وحدهم الذين لن يموتوا بعد الآن لأنهم دفنوا مرتين، مرة دفنوا أرقاماً في سجن بسعة وطن ومرة اخرى دفنوا محفوفين بالأمهات والاخوات والابناء.
تلك قيامتهم العاجلة، أما الآجلة فهي حين نبحث عنهم فوق المقاعد الفارغة المخصصة لهم في حفل الرجوع، ونحن نعرف كم سيسخر منا الاسخريوطي القديم وذريته الجديدة اضافة الى من يستخدمهم كالملاقط والقفازات ونحن نذكر كلمات كالرجوع او الاياب أو العودة..
هناك شعوب تحن الى العودة باتجاه الجذور بعد ألف عام ولم تنقطع الذاكرة عن الحليب المقدس، فلماذا يطلب ممن خلع من شروشه قبل ستة عقود هي عمر دولة الاحتلال ان ينسى؟
ما من قبعات على رؤوسنا الحاسرة نرفعها لهم وما من كوفيات أو مناديل تلوح لهم عن بعد بالوداع.
انهم باختصار قادمون.. فواحد وتسعون طلقة ياسمين بانتظارهم! ( الدستور )