الفنانون معتصمون غاضبون.. هل نحن بخير؟

الفن مرآة الشعوب"، فعندما نريد قياس المستوى الحضاري لشعب ما، علينا متابعة ومراقبة الفن الذي يقدمه. وفعلا بتنا نعرف مدنا وعادات هندية لم نكن نعرفها لولا السينما الهندية. وبات اميتاب بيتشان، وأمجد خان، وريشي وشاشي وشامي كابور، وغيرهم الكثير الكثير، معروفين بالنسبة للمشاهد العربي. وهذا الحال انطبق على هوليوود الغرب، فبتنا نعرف النجوم العالميين، ومن خلالهم العادات الغربية، وحتى القوانين الفديرالية الأميركية.
الحال لا ينحصر في السينما العالمية فقط، إذ سمحت لنا السينما والدراما المصرية والسورية في معرفة أدق تفاصيل حياة الصعيد المصري، ومنطقة الجزيرة السورية، والبيئة الدمشقية، واللكنة الحلبية، فبتنا على اطلاع بلهجات لم نكن نعرفها سابقا بفضل الفن والفنانين الذين نجحوا في نقل إرث بلادهم وحضارتها وعاداتها وتقاليدها إلى كل المشاهدين العرب.
وللإنصاف، فقد نجح نجوم الدراما عندنا في فترات زمنية في نقل عاداتنا وتقاليدنا ولهجتنا الأردنية المحكية إلى صلالة وخورفكان، وحتى فاس وتطوان، وإلى أربيل وإدلب وحتى أم درمان وعدن، ونجحوا في ترك بصمة عند المشاهد العربي. وإن نسينا، لا ننسى مسلسلات هبوب الريح، وقرية بلا سقوف، وإبراهيم طوقان، وشمس الأغوار، وبير طي، ودليلة والزيبق، ووضحا وابن عجلان، ونمر بن عدوان، وجبل الصوان، وحارة أبو عواد، ورأس غليص، وليالي عمان، وغيرها الكثير من المسلسلات الأردنية التي استطاعت أن تجد لها مكانا على الشاشات العربية فيما سبق.
ومع تطور أدوات التكنولوجيا، تنبهت دول كانت بعيدة عن الاهتمام بالفن والمبدعين، إلى أهمية الفن باعتباره مرآتها عند الشعوب الأخرى، وأداة تواصل أكثر نفعا وحضورا من أي أداة أخرى. لذلك، دعمت تلك الدول مبدعيها بشتى أنواع الدعم اللوجستي والمعنوي والمالي المطلوب، ومنحتهم حرية الإبداع فيما يقدم، وأفردت تلك الدول الشاشة الوطنية لهم دون غيرهم، فأبدعوا ونجحوا في المهمة الموكلة إليهم، فكانوا جنودا حقيقيين وعلى قدر الرهان.
عندنا يجري العكس؛ إذ تخلت الدولة عن مبدعيها، ونفضت الحكومة يدها من مطالبهم، فبات الفنان الذي حقق فيما مضى انتشارا للأردن عربيا، لا يفكر سوى في غذائه ودوائه ومصير أطفاله.
الفنانون منذ ما يقرب من 16 يوما معتصمون أمام نقابتهم في جبل اللويبدة. زارهم هناك مؤازرون ونقابيون وصحفيون ونواب بعدد قليل، ووزراء سابقون أيضا، بيد أن الحكومة لم تحرك ساكنا حتى الآن، وكأن الاعتصام عند دولة مجاورة، فلم تفتح خطوط تواصل معهم، ولم تشعرهم بنيتها تلبية مطالبهم.
لا يريد فناننا الأردني المعتصم في خيمته، الغاضب من "التطنيش" الرسمي له، "لبن العصفور"؛ بل كل ما يريده هذا الفنان الذي افترش الأرض في خيمته، تمكينه من عكس صورة الأردن في الخارج، من خلال استكمال إخراج الشركة الأردنية للإنتاج الفني، ووقوف الدولة على تفعيل دور مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني باعتبارها نافذة إعلامية وطنية تترجم الهوية الوطنية الأردنية، والإسراع بالوقوف على أهمية الاستثمار في الإنتاج الدرامي، واستقطاب المستثمرين العرب باستصدار تشريعات وقوانين لدعم وتشجيع وتحفيز المنتجين في القطاع الخاص في الأردن، وشمول الفنان الأردني وأفراد أسرته بالتأمين الصحي الشامل، وتعديل المسمى الوظيفي للمهن الفنية، وإنشاء فرقة وطنية للمسرح، وأخرى للموسيقى، ودعم صندوق إسكانهم، وتوظيف الفنانين من ذوي الاختصاص في مؤسسات الدولة الثقافية والفنية وذات العلاقة.
ماذا عسانا نقول للعالم؟ أنقول له إن مرآتنا غاضبة علينا؟! أنقول له إننا "طنشنا" الفن حتى بات الفنان لا يريد سوى تأمين شيخوخته قبل وفاته؟! أنقول له إننا لم نعرف قيمة الفن في حضارة الأمم؟! أنقول له إننا تركنا سفراءنا إلى الشعوب العربية يفترشون الشارع دون أن نقول لهم تعالوا إلى طاولة حوار؟
ماذا سيكلف الدولة إن تجاوبت مع مطالب الفنان الأردني؟ بل ستكون الدولة هي المستفيد.
أولا وأخيرا. ماذا عسانا نقول للأمم فيما بعد؛ أنقول لهم إن فنانينا افترشوا الأرض وكنا بخير؟! فغضبة الفنان والمثقف، وبقاؤه غاضبا طول تلك المدة يدلل أننا لسنا بخير.
فيا مرآتنا، يا سفراءنا بلا رواتب، يا ناقلي قصصنا وحكايات الجدات للأحفاد.. طوبى لكم، ويسعد أوقاتكم، ولا بد يوما أن تعرف الحكومة أن مطالبكم أهم بكثير من قضايا صرفنا عليها كثيرا. ( الغد )