العودة إلى الوراء

المدينة نيوز - مرت الدولة الأردنية بمرحلة سادها الخلل الواضح الكبير في تداخل الصلاحيات وعدم استقلال السلطات، بحيث أصبحت الحكومة واجهة شكلية غير قادرة على القيام بمهامها الدستورية، المتمثلة بالانفراد بإدارة شؤون الدولة كاملة وتحمل مسؤولياتها في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والخدمية، إذ تم سلب صلاحيات الحكومة فيما يتعلق بالشأن العسكري والجيش، مع أن الشؤون العسكرية والجيش يجب أن تكون خاضعة لإدارة وزير الدفاع، الذي يجب أن يتبع دستوراً وقانوناً لرئيس الحكومة، لأنّ القرار العسكري لا يخرج عن خدمة سيادة الدولة وليس مستقلاً عنها.
ثمّ تمّ سلب رئيس الحكومة السيادة على دائرة المخابرات العامة، وأصبحت في مرتبة أعلى من رئيس الحكومة، تحت سياسة الأمر الواقع؛ لأنها تمتلك المعلومات والنفوذ والخط المباشر مع رأس الدولة، مما جعل مدير المخابرات العامة يحتل مركز نفوذٍ مستقلاً وقوياً، كما تم مؤخراً سلب الرئيس موضوع السياسة الخارجية وأضيف إليها التخطيط، التي انحصرت وظيفتها في جلب المنح المالية، وأصبح هؤلاء الوزراء لا يخضعون لتغيير الحكومات، ويصلحون للعمل مع النقيضين بلا تعارض، ثم وجدنا أن قبضة الحكومة تراخت عن الأجهزة الأمنية بعمومها، ولذلك وجدنا أنّ مهمة الدولة منحصرة في إدارة الجهاز الخدمي، وأصبحت واجهة لإخراج القرار السياسي والأمني، وأصبح رئيس الحكومة عبارة عن كبير موظفين.
لقد تم الحوار والحديث مع رأس الدولة حول هذا الموضوع تحديداً بمنتهى الصراحة والوضوح، وكانت هناك ملامح للاستجابة من خلال البدء ببعض الخطوات الاصلاحية بهذا المجال الذي تمثلت بارسال رسالة ملكية الى المدير السابق للمخابرات بضرورة مهننة الدائرة وعدم تدخلها بالشؤون السياسية، وكان هناك أمل في تصويب الاوضاع والعودة إلى الأساس الدستوري السليم، وتجاوز المرحلة السابقة التي شهدت صراعاً مريراً بين مراكز القوى المتنافسة بل المتصارعة أحياناً على السلطة والنفوذ، والتي عانت منها الدولة طويلاً، ودفع المواطن الأردني ثمنها.
جاء اللقاء الاخير بين بعض قادة الحركة الاسلامية ومدير المخابرات العامة ليكرس هذا الوضع الخاطأ المخالف للدستور، إذ الغريب والمستهجن أن تمتنع الحركة عن لقاء رئيس الوزراء الذي يمثل الواجهة السياسية، وتذهب إلى الجهة الأمنية، فهذا خطأ سياسي كبير، يخالف المسار الاستراتيجي المتفق عليه في أوساط الحركة الإسلامية سابقاً، إضافة لما يمثله من ضربة موجهة للحراك الشعبي، مما يعمق التهمة باشاعة عقد الصفقات في الخفاء، ويهز الثقة بين مكونات الشارع الوطني.
إنّ المرحلة المقبلة ينبغي أن تقوم على منهج الشفافية والوضوح مع الجمهور الذي يصنع الثقة بين الحركة الاسلامية من جهة والقوى الشعبية والوطنية من جهة أخرى، من أجل السير بالعملية الإصلاحية السلمية، التي تهدف إلى اصلاح الدولة وإعادتها إلى وضعها الصحيح، الذي يقتضي أن تكون الحكومات مُشكّلة بإفراز شعبي من خلال صناديق الاقتراع النزيهة، وأن تكون الحكومات صاحبة الولاية الدستورية الكاملة على جميع شؤون الدولة بلا استثناء، ويجب مصارحة الجمهور بهذه الغاية وعدم الحياد عنها تحت أي مسوغ.
إنّ ما حدث سيترك أثرا سلبياً على مسار الإصلاح الشعبي، إذ يسمح بعضهم بنجاح سياسات الاستهداف لاختراق القوى الاصلاحية الوطنية وحراكها الشعبي من قبل خصوم الإصلاح؛ الأمر الذي ينبغي أن نحذر جميعاً منه ونعمل على اعادة الثقة والتواصل مع مكونات الحراك الوطني الإصلاحي، ضمن استراتيجية واضحة ومعلنة . ( العرب اليوم )