بذرة انقلابية في النسيج الديمقراطي!

المعارضون الذين تحفظوا على إنشاء الجيش الحرّ في سوريا، نبهوا إلى أن خروج الاحتجاج الديمقراطي عن إطاره السلمي إلى الإطار المسلح، سيكون في صالح النظام الأقوى تسليحاً، خاصة وأن تجربة ليبيا في دعم تسلّح الاحتجاج، ونشوء ميليشيات تسيّطر على كل منطقة يتم فيها تدمير آلة الحرب القذافية.. هذه التجربة غير قابلة للاستنساخ في سوريا!
على أيِّ حال أقيم الجيش السوري الحرّ من عناصر منشقة داخل القوات المسلحة، ومن متطوعين من أحزاب المعارضة وخاصة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الكردية في إدلب ومنبج ودير الزور. وقامت دول عربيّة متحمسة للثورات في العالم العربي بتمويل وتسليح الجيش الحرّ وصارت أكثر مواقع الصدام مع النظام هي المواقع العسكرية!
المشكل الآن، هو أن الجيش السوري الحرّ يحمل الفيروس الإنقلابي التقليدي الذي نشأ مع نشوء الدولة السورية المستقلة فقد ووجه اجتماع قيادات المعارضة السورية في القاهرة برفض قيادة الجيش الحرّ لأي قرارات توحيدية لأطراف المعارضة المختلفة، وأي برنامج عمل للمرحلة الخطرة والحساسة القائمة.. بين إزاحة النظام ووضع المداميك للنظام الديمقراطي الجديد!
الجيش السوري بدأ عام 1949 بالإطاحة بالنظام الديمقراطي الذي تصدرته الكتلة الوطنية قائدة النضال ضد الاستعمار، بحجة فساده. وكنا وقتها طلاباً في الابتدائي خرجنا من مدارسنا الكبيرة لنتظاهر ضد رفع «خبز الوسيئة» الذي ورثه السوريون من أيام الحرب العالمية، ولم نفهم وقتها معنى «الوسيئة» إلا فيما بعد، وهي لغة دمشقية «للوثيقة» التي كان يحملها الفقراء للحصول على خبز مدعوم!
بدأ تدخل الجيش وكثرت انقلاباته ومحاولات انقلاباته حتى بلغت تسعة وعشرين إنقلاباً ومحاولة، وكانت الكارثة أن الانقلابات جاءت معها بالطائفية، فحسني الزعيم ورث عبدالله عطفه وهما كرديان، وكان رئيس وزراء الانقلاب حسني البرازي كردياً. وجاء بعد الزعيم كتلة ضباط الدروز وسامي الحناوي.. ثم حكم الشيشكلي بالجهوية الإقليمية، وحين جاءت الوحدة حسبت البرجوازية السورية أن عبدالناصر سيخلصها من انقلابات العسكر لكن الانفصال اثبت ان الذين قاموا به هم الضباط الدمشقيون.. وكان هؤلاء الاقل نفوذاً في الجيش.. جاء بعدهم العلويون.. واستمروا!
الجيش السوري الحرّ، وهو لا يزال بعيداً عن رئاسة الأركان، يقبل ويرفض القوى الديمقراطية التي تتآلف الآن وتضع استراتيجيات المرحلة القادمة. فكيف إذا تم تحرير سوريا من الطغيان؟! وهل يقبل الجيش الحرّ الذي سيعلن أنه حرَّر سوريا أن يعود إلى معسكراته؟!
المشكل أن القوى الدولية والإقليمية تصرّ على تنمية المعارضة المسلحة.. وهي تدري أو لا تدري انها تضع لغماً في مستقبل الديمقراطية في سوريا! ( الرأي )