من حسن البنا إلى الإخوان الأردنيين

يمكن أن نقول في اطمئنان إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولا غريبة عنه، بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها، فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية، فهي إما متمشية معها صراحة؛ أو قابلة للتفسير الذي يجعلها لا تتنافى مع القواعد الإسلامية" (حسن البنا: مجموعة الرسائل).
لا توجد كتابات منشورة للإخوان المسلمين في الأردن وقادتهم وكتابهم تكفي لعرض أفكارهم الأساسية على نحو واضح وصريح. ولكن واقع الحال، وما هو معروف عن الفكر الشفاهي المتداول في وسط الجماعة والكتابات القليلة المنشورة، تؤكد بوضوح أن الإخوان المسلمين في الأردن بعيدون جدا عن فكر حسن البنا. ولا أظن من يؤمن بعبارة حسن البنا المثبتة في أول هذه المقالة، إلا عدد ضئيل منهم على خوف وخجل؛ يذكّر بالآية "وما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئه".
لدينا بالطبع كتابات محمد أبو فارس أحد قادة الإخوان المسلمين منذ السبعينيات، وعضو مجلس النواب الأسبق لدورتين. وبما أن الإخوان قد أبعدوا وفصلوا من الجماعة عددا كبيرا بسبب مقالات أو آراء فكرية وسياسية، ولم يفعلوا شيئا بحق محمد أبو فارس، ولم يصدر عن الإخوان وقيادتهم ما ينفي معارضتهم لآراء أبو فارس المنشورة، فإنها كتابات يمكن اعتبارها مقبولة في الجماعة، وإن كنت أعلم شخصيا أن عددا كبيرا من قادة الإخوان وأعضائها يخالفون ما كتبه أبو فارس، ولكن يصعب طرح وتداول هذه المعارضة إلا في جو من الاختلاف والتعرض للاتهام والعمالة. ولدينا أيضا فكرة واضحة ومؤكدة ومتواترة أن همام سعيد يؤمن بما يقوله محمد أبو فارس، وهناك غيرهما عدد كبير من قادة الجماعة وأعضائها مثلهما.
يرى محمد أبو فارس في كتابه "حكم المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية" أن المشاركة بالوزارة تحرم لقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وأنها آية صريحة وواضحة في تحريم الوزارة ولا مجال للاجتهاد مع النص. وأما المشاركة بالنيابة، فهي جائزة لأنه أفتى بجواز ذلك!
الجاهلية عند أبو فارس وكثير من الإخوان في الأردن، وكذلك الجماعات التكفيرية والمتشددة في الأردن وخارجه (فصلوا من الإخوان في جميع دول العالم إلا في الأردن)؛ لا تعني فترة تاريخية (ما قبل الإسلام)، ولكنها تعني ما ليس إسلاما، وتشمل الأفكار والمعتقدات والسلوك والمجتمعات في كل عصر (يمكن التوسع في دلالة هذا المفهوم في كتاب جاهلية القرن العشرين لمحمد قطب). وهو مفهوم مستمد من الآية القرآنية: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون". فهناك حكم الله، ويقابله حكم الجاهلية؛ فإما أن تكون الحالة القائمة "حكم الله"، أو تكون "حكم الجاهلية". ويؤكد هنا أبو فارس أننا في ظل جاهلية وحكم جاهلي لا تجوز معه مشاركة سياسية.
لا فرق بين ما يقوله أبو فارس ويؤيده فيه كثير من قادة الإخوان وأعضائهم، وبين ما يقوله أبو سياف (انظر مقابلته مع "الغد") ولا ما يقوله أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي. وأما أبو محمد المقدسي وأسامة بن لادن، فهما أكثر اعتدالا بكثير!.. لماذا يشارك أبو فارس والإخوان المسلمون إذن في الانتخابات النيابية "الجاهلية"؟ ( الغد )