أتركوه لنا

أكثر من 200 مسلسل عربي تتحمحم لتنقضَّ وتلتهم رمضان بنهاره ولياليه وعيده. وعشرات المسابقات الحافلة بالجوائز المغرية تتنافس لمغنطتنا وجذبنا، وحلب أرصدة هواتفنا وأوقاتنا. وآلاف العروض الخاصة تغصُّ بها المولات والمتاجر، وترى الناس تتدافع بعربات التسوق المتخمة، وكأننا قاب أسبوع أو أدنى من مجاعة جائعة. فيما آلت كل مشاريعنا ومواعيدنا وخططنا، لما بعد العيد، وأبعد.
في الحكاية الشعبية، أن رجلاً هجّ من بيته (طفش فارعاً دارعاً)، مقسماً ألا يعود ثانية، إلا إذا وجد من هو أكثر سذاجة من زوجته. فذات يوم عاد مهدودا من التعب، فباغتته أم العيال باشة بأن رمضان، الذي كنا نجمع له المؤونة والتجهيزات، وننتظره منذ أشهر جاء أخيراً، وهو بيَّاع جوال، فحملته كل أشيائه، وارتحت من عناء التخزين والترتيب.
عندها لطم الرجل جبهته ودمدم، ولعن سنسفيل حظه: يا مرة، أعطيت كل (حوشنا وبوشنا) لبياع اسمه رمضان، أنا أجمع المؤونة والأغراض لشهر رمضان الذي سنصومه يا كبر حظي فيك. وعلى كل حال، لن تري صفحة وجهي، إلا إذا صدفت من هو أكثر سذاجة منك.
ويهيم الرجل على وجه، ويجول القرى والبلاد، ولكنه وكلما رأى الحماقة المبثوثة حبطرشاً بين العباد، كان يأخذه الحنين لزوجته العاقلة المدبرة، فما زال في هذا العالم من هو أكثر سذاجة، من تلك التي تعطي أغراض بيتها لرجل عابر اسمه رمضان!!.
ولربما يمر بنا هذا الرجل المغلوب على قهره، ويشاهد تجهيزاتنا لرمضان، سنمنحه دفعة كبيرة للعودة لبيته ولأم عياله بسرعة الضوء، فكأن رمضان صار فينا بياعاً نمنحه كل حوشنا وبوشنا. فكل شركات الإنتاج الفني تعمل السنة بطولها له، وكل المغنين لا يطلقون ألبوماتهم إلا في غرته، لسهولة تسويقها. وعلى هذا ساهمس للرجل الطافش من زوجته:عد يا زلمة لحضنها، فهي تاج ذكاء، بالنسبة لغيرها!.
فلماذا لا يتركوا لنا رمضاننا؛ كي نعود فيه لأنفسنا وفطرتنا الأولى، ونلوذ به من فجاجة وقبح ومادية هذا العالم، لماذا يقزمونه ويختصرونه بالأكل والشرب والسهر والمسلسلات؟!، لماذا صارت أعمالنا ترنو إلى رمضان سطحي، لا يضرب جذراً في أعماق نفوسنا. فيا ناس اتركوه!!. ولا تتآمروا علينا وعليه، دعونا نلذ بأنفسنا لشهر واحد، ونخفف حمى وشراهة ثقافتنا الشرائية، التي تقتلنا طول السنة!.
( الدستور )