يحدث في مدينة العميان..!

تم نشره الجمعة 13 تمّوز / يوليو 2012 02:09 صباحاً
يحدث في مدينة العميان..!
حسين الرواشدة

*  ما اكثر الآيات القرانية التي تحدثت عن البصر والابصار،لكن استوقفتني هذه الاية (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

فكم بيننا من تكون عيونه مفتوحة لكنها لا ترى الا ما تحب ان تراه،وكم بيننا من اعمى الله عينيه عن رؤية الحق واستبصار الهدى والرشاد،أولئك لا يريد الله ان يتبصروا الحق لانهم لا يعترفون به، ولا يريدهم ان يخرجوا من التيه لانهم اختاروه بانفسهم، وابت قلوبهم الا ان تتمتع بالعمى لانه الاقرب الي طبيعتها الحيوانية.

قبل سنوات قرأت فصولا من هذه الرواية،وحين دققت فيها وجدت انها تقربني الى فهم الاية الكريمة ،وهآنذا استأذن القارىء في تلخيصها.

فجأة يقف السائق امام اشارة المرور الحمراء ، لم يعد يرى امامه شيئاً ، لقد اصيب حقاً بالعمى ، يتطوع احدهم لانزاله من سيارته والقائه على الرصيف ، ويفرّ هارباً بالسيارة ، لكنه ما يلبث ان يصاب بالعمى ، يقف الرجل الاول على منصة الشارع ، فيقترب منه رجل آخر ليساعده على الوصول الى بيته.. ثم ما يلبث ان يصاب بالعمى.. وهكذا ينتشر الداء في كل المدينة ، امرأة السائق تصاب بفقد البصر بعد ان لمست زوجها ، والطبيب الذي فحص عيونه.. والجيران.. ولم يبق في المدينة الا امرأة واحدة ، هي زوجة طبيب العيون ، تعاين مشهد العميان ، ولكنها تتظاهر بالعمى خوفاً على نفسها..

المدينة - بالطبع - تغرق في الفوضى ، كلاب تنهش جثث الميتين من الجوع ، اكوام القمامة لا تجد من يرفعها ، لا سيارات ولا كهرباء ولا حركة ، الناس يحاولون ان يتسللوا للشارع ، وأياديهم تسبقهم للمس الاشياء ، لا قوانين ولا محاكم ، الغرائز اللاانسانية تستيقظ فجأة وتفعل ما تريد..

هذا ، باختصار ، مضمون فيلم العمى الذي قدمه المخرج البرازيلي (فيرناندو ميريليس) عن رواية للكاتب البرتغالي (خوسية ساراماجو) ، وهو يتجاوز - بالطبع - الحديث عن فقدان البصر بمعناه العضوي المعروف الى الحديث عن العمى الروحي والنفسي ، العمى السياسي والاخلاقي ، الذي اصيبت به الانسانية وافقدها القدرة على رؤية عذابات الناس وآلامهم ، وهو ما عبر عنه احد ممثلي الفيلم حين قال في هذا العالم لا نرى الاخرين ولان العدوى تنتقل - فوراً من مكان لآخر ، فان احداً ليس بمأمن من الانهيار الذي يبدأ بالقيم والعلاقات الاجتماعية ثم يمتد لكل ما يرتبط بالانسان والحضارة الهشة .. كما حدث تماماً للمدينة التي أصابها العمى.

نحن - بالتأكيد - ندرك مشهد العمى العام الذي أصاب الانسانية ، والاسباب التي أفضت اليه ، لكن ماذا عن العمى الذي انتشر في بلادنا العربية والاسلامية ، هل تختلف صورة المدينة التي قدمها الفيلم عن صورة مدننا المتناثرة؟ او عواصمنا التي فقد كثير من ساكنيها نعمة البصر ، فأصبحوا يتلمسون الاشياء بأصابعهم فقط ، ويا ليت ان العيون - وحدها - هي المصابة بفقد البصر ، ولكنه عمى القلوب التي في الصدور ، وعمى الافكار التي في العقول ، وعمى الارواح والضمائر التي انسحبت من وظائفها السامية ، واختزلت وجودها في الفراغ والخواء.

العالم مصاب بالعمى ، لانه يتفرج على آلامنا ولا يراها ، ويتركنا نتخبط في فوضى مدن العميان ولا ينقذنا ، ويتطوع باقناعنا للتعايش مع هذا الداء والاستمتاع بفضائله.. هذا صحيح ، ولكن ماذا عن ارادتنا وتصميمنا على التعافي والابصار ، وماذا عن نهضتنا للخروج من هذه المحنة؟

في الفيلم ، المدينة تستعيد بصيرتها ، وابتداء من السائق الذي اصيب بالعمى امام الاشارة ، يعود البصر للجميع بالترتيب ، واحداً بعد الآخر ، لكن هذا يحدث بعد ان يتفق الجميع على العودة الى انسانيتهم ، الى الحب والعدل والعمل ، وهي الوصفة الوحيدة التي يقدمها ساراماجو للشفاء من هذا الداء.

والسؤال: ما الذي نحتاجه نحن لاستعادة ابصارنا؟ الحب والعدل والعمل،والاصلاح ايضاً.. واين هي في بلادنا التي تعاني من الفقر والجدب.. ومن سطوة السياسة واغراءات السلطة.. ومن العمى العام الذي تحايلنا على اخفائه والتغطية عليه بشتى الوسائل؟

يا الهي متى يعود البصر لقلوبنا ..متى يعود. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات