إعلام ينتحر!!

ليس كل من ينتحرون يدركون ما يقدمون عليه؛ فثمة سلالة بشرية وحيوانية لذلك القط الذي لعق دمه واستمرأه عندما تورط بلحس مبرد حديدي، والاعلام العربي الرسمي من هذه السلالة، فهو يصر على عدم التعلم مما يجري، لهذا عليه ان يتعلم من كيسه كما يقول المثل.
اعلام لا يرى ابعد من الورقة الصفراء التي يقرأ عنها وقد تسمرت عيناه عليها ولا يسمع الا صدى صوته وقد يستخفه الطرب، ليكتشف بعد فوات الاوان ان رقصته رقصة الذبيح، وليس مطلوبا من هذا الاعلام ان يجترح معجزات او ان يسجل براءات اختراع، المطلوب منه ببساطة هو ان يفتح النافذة بين وقت واخر ليتأكد على الاقل من ان السماء صاحية او تمطر لكنه اغلق الباب الذي تأتي منه الريح لكي يستريح.. وانتهى الامر به الى ان خلعت الرياح ابوابه ونوافذه معا.
خطاب متكلس، يراوح في دائرة لا يزيد قطرها على الصفر، فهو يستهدف الاسترضاء فقط، ويكذب ثم يكذب حتى يصدق نفسه، وتلك نظرية جوبلزية انهى التاريخ صلاحيتها، لهذا فان كل ما تعفره الدجاجة من تراب سيكون على رأسها.
في ذروة ازماته يبقى هذا الاعلام مكبلا بعادته الذهنية وخطابه الخشبي المسوس فحين يملأ الدم الشوارع ينصرف الى الحدائق رغم ندرتها في زمن التصحر، وحين يأتي الغزاة من الشمال يقول انه فوجئ بعكس ما كانت تشير بوصلته اذ كان يتوقعهم من الجنوب او الشرق.
لقد تربى هذا الاعلام الداجن واللاحم في حاضنات سياسية او ايديولوجية، لهذا لا يستطيع ان يغير جلده عندما تأزف لحظة الاختبار وهي على الاغلب لغير صالحه. فنحن نعرف اكثر من اعلام رسب في الاختبار، ورأينا من يشهر او تشهر مسدسا على الشاشة يعلن التوبة ويبكي، كما رأينا من كان يسبح بحمد ولي نعمته يقلب ظهر المجن، ويهجو من كان يفرط في تملقه قبل اربع وعشرين ساعة فقط.
انه اعلام ينتحر وهو اخر من يعلم لانه يلدغ دائما من الجحر ذاته ولا يتلقح بحيث يحول الاخطاء الى اوصال وعي ووقاية. اعلام يتأسس على المونولوج ومخاطبة الذات وليس على الحوار لانه يعتقد واهما انه يملك الرأي والرأي الاخر في مايكروفون واحد وعلى الشاشة ذاتها.
لقد جربت حتى الان عينات من هذا الاعلام، فاتضح للملأ ان ريش الطاووس لا يقوى على الدفاع عن لحمه الهش والضئيل.
قبل قرون قال ابو تمام ان السيف اصدق انباء من الكتب لانه كان يكتب عن انتصار وليس عن هزيمة في معركة عمورية، لكن من يعتقدون ان الصوت اصدق انباء من الواقع هم خريجو اكاديمية الهزيمة الكبرى في القرن العشرين!.( الدستور )