المقابلة الملكية .. نقاط على الحروف

منح مقابلة مطولة لشبكة تلفزيون أميركية يجريها إعلامي محنك مثل تشارلي روز عملية لا تخلو من المخاطرة والتحدي ، فهذا الإعلامي المستقل لا يقرأ أسئلة من ورقة أعطيت له معدة سلفاً ، بل يتحرك بحرية واستقلالية تامة بين مختلف الموضوعات الحساسة ، للحصول على حقائق ومواقف وانطباعات ، تهم الملايين الذين سيشاهدون المقابلة ، ويقف بعضهم عند كل كلمة لاستنباط ما وراءها.
ومع أن المحاور البارع حاول أن يضع مطبات في طريق الملك للحصول على خبطة صحفية ، إلا أن الملك تجاوزها بسهولة ويسر ، بل استخدمها لاستكمال الرسالة التي قصد توجيهها إلى المشاهدين.
المقابلة التي أجراها تشارلي روز مع جلالة الملك ، استغرقت وقتاً طويلاً ، ولم تلق الضوء على الأوضاع المحلية والإقليمية وحسب ، بل كشف أيضاً عن معدن الملك ، الواثق من نفسه ، والذي لا يركز كثيراً على الماضي الذي يعرفه الجميع ، بل يعطي إشارات ذكية تتعلق بالمستقبل المفتوح على مختلف الاحتمالات ، فهو لا يسرد ما حدث في المنطقة خلال سنوات ماضية ، بل ما يمكن أو يجب أن يحدث خلال سنوات قادمة.
في الموضوع الداخلي يريد الملك من الأخوان المسلمين وباقي الأحزاب السياسية أن تقدم حلولاً وبرامج بدلاً من الخطابة والشعارات. وفي هذا المجال يتمنى لو أن أكثر من ثلاثين حزباً تزدحم بها الساحة السياسية تتبلور في ثلاثة إلى خمسة أحزاب قوية تمثل اتجاهات اليسار والوسط واليمين.
في مجال الإصلاحات التي تمت خلال 18 شهراً وتجاوزت مطالب العودة إلى دستور 1952 قال جلالة الملك أن ما تم هو بداية وليس نهاية الإصلاح ، مما يفتح الباب على مصراعيه للمزيد من الإصلاحات.
في السياسة العربية لاحظ الملك التحول من القومية إلى القطرية ، وأكد إيمانه بالحل السياسي للأزمة السورية وعدم فقدان الأمل في نجاح هذا الحل ، كما شخص القضايا الراهنة على الصعيد المحلي والعربي الإقليمي.
كانت هناك وقفة عند عقدة الإخوان المسلمين ، الذين يريدون تفصيل قانون انتخاب على مقاسهم ، وقد ذكرهم جلالته بأن الأردن هو البلد الوحيد في المشرق العربي الذي سمح لهم بالعمـل فوق الأرض ، وإن مشاركتهم في البرلمان القادم مطلوبة ، وأن أهم الأسباب التي تدفعهم إلى مقاطعة الانتخابات قد يكون خوفهم من نتائج الانتخابات.
حديث الملك دل على متابعة وفهم عميق للأوضاع المحلية والعربية والدولية ، ورؤية مستقبلية ثاقبة ، فهو يعرف إلى أين نسير اليوم ، وأين سنكون بعد عشر سنوات.
بقيادة مستنيرة كهذه يستطيع المواطن الأردني أن يطمئن إلى أن سفينة الوطن تسير إلى بر الأمان.
( الراي )