لماذا نخاف الاسلاميين و.. الاردنيين من اصول فلسطينية؟

هناك اجتهادات حصرية جاءت من مواقع المسؤولية وقد آثرت الالتزام بالصوت الواحد دون إحداث اي تغيير في الدوائر الانتخابية من حيث الجمع وليس التقليص ، فأبقت كل شيء على ماهو عليه سوى اللهم ظاهرة جديدة أتـُفـِّق عليها في اللمسات الاخيرة لتحسين الاطار الانتخابي وتزيينه بعض الشيء . وما اضيف للقائمة الوطنية في الخاصرة الاولى ازداد بموازاته في الخاصرة الثانية حتى اصبح عدد مجلس النواب مئة وخمسين نائبا .
اما الدفع الحزبي والذي هو اساس اللعبة البرلمانية والحكومة البرلمانية فيما بعد فجاء مُغيـّباً او مُهَمَّشاً او منقوصاً في موسوعة المجلس النيابي العتيد القادم .
وفي مثل تلك الظروف ستبقى التآلفات النيابية والكتل النيابية دون الثوابت الفكرية والمنهجية وانما في مضامين المزاجية والصداقات والتنسيقات المتباينة والتأثيرات الخارجية . فإذا ما اوتي بحكومة برلمانية فلن يُحِدْث ذلك اي تغيير في النهج او الاسلوب وانما سيبقى على نفس الايقاع الذي صَوَّت عليه مجلس النواب الحالي في قضايا الفساد وقانون المطبوعات وقانون الصوت الواحد .....الخ. وما دور الاحزاب اذا تواجدت في خِضمٍ له تنظيماتـُه المُسبـَّقة وتألفاتـُه واطروحاتـُه فلن تـُعطي المجال لها كي تتحرك وانما ستكون بمثابة مسرحية تمثيلية لا اكثر ولا اقل .
كل ذلك جائز ومُحيـِّر، والتخوف بإعادة استنساخ مجلس نيابي جديد على نمط ما سبقه من مجالس له ما يبرره .
انني اتحسس هواجس الناس وترددهم في العملية الانتخابية حتى لو قام البعض منهم وحصلوا على بطاقاتهم الانتخابية فهل ستكون الاكثرية منهم من المنتخـِـبين ام من المستنكـِفين؟ . ان بعض المفكرين السياسيين يصنفون حالة التشعب في المجتمع الاردني الى فئة التشاؤم والتشكيك في العملية الانتخابية كسابقاتها ما دامت تجري على نفس الاسس والاساليب ونقل الدفاتر واستعمال المال السياسي وعملية التسجيل بإيجابياتها وسلبياتها ، واخرى تدرك عمق التناقض في العملية بحد ذاتها وتـُصرِّح بشكل مفتوح وصريح بانها لن تأتي الا 'بالحُصْرُم' ليس الا . اما فئة عدم المبالاة بالمصلحة الوطنية فهم من يتحركون على الساحة وتتحكم النزوة في سلوكهم ويُعرفون بطمعهم وشبقهم وفقدانهم للأخلاص على مستوى الوطن والشعب . وهناك في المقابل فئة من هم في حالة عدم الحراك من اجل ان لا تنزلق البلد الى الفوضى .
اما المصلحون الوطنيون وهم كثر واخص بالذكر احمد عبيدات راعي الاصلاح و امجد المجالي الذي حارب الفساد بكل انواعه وبكل جرأة وشراسة منذ اكثر من خمس سنوات، وغيرهم من الاسلاميين والقوميين والوطنيين الذين استشعروا الحاجة الى استيعاب الجديد في القديم دون ابطال القديم واختزال الجديد من اجل نهضةٍ سياسية واقتصادية واجتماعية وقومية لبناء الاردن الحديث .
هذا ليس بحد ذاته انقساماً ايديولوجياً وانما هو مجرد ابعاد رؤى يغذيها حتمية التقدم رغم كل الظواهر المعقدة ابتغاء لمجلس امة منتخب على مستوى الوطن ليكون اكثر مهابة ًواوسع نطاقاً واعمق فكراً واخصب انتاجاً والا فسنبقى في حالة من العقم السياسي الذي نحن فيه .
تنبأ الدوس هكسلي في روايته ' عالم جديد شجاع ' والتي كتبها في عام '1932' واستقاها من رواية شكسبير ' العاصفة ' بالتغيرات الجديدة في المجتمع والاسرة والتكنولوجيا دون الاعتداء الصارخ على انسانية الانسان ليعيش كل البشر سعداء .
هل انبثق لدينا هذا الجدل من اجل بناء الاردن الحديث بعد صرخة الغضب والاحتجاج والمسيرات السلمية والندوات الفكرية من اجل التغيير والاصلاح .؟
فهل لنا ان يـَتـَسَمَّرَ كُلٌ في موقعه لـِيـَسلـَم من الضياع في اتجاهات المتاهات وفقدان البوصلة ؟ وهل لنا ان نستسلم لمرحلة جديدِة لسنا جزءاً منها ولسنا لاعبين فيها دون الولوج في عملية الاصلاح المنشودة ؟.
لقد انتابني الكثير من الاحباط والقليل من التفاؤل عندما جاء احياءُ الصوت الواحد على لسان دولة الدكتور فايز الطراونة في الايام الاولى لحكومته الحالية ، وتأكدت انَّ هذه هي الاستراتيجية المُتفق عليها لدى كافة الدوائر المتنفذة فـَفـُرِضـَتْ على ارضية الواقع وهتف وصفق لها شبيحة ُ كل زمان ومكان وابتعد اكثر المواطنين صِدقاً عن الشراكة في مسار اقدارهم .
اقول بكل وضوح وانا لا اتلعثم في كلامي ، لماذا كلُ هذا الطوق في عملية الانتخابات؟ لا استطيع ان اسمع الاجابة على سؤالي في جُلبةٍ مصدرُها ما اتت به من الفرضية والتشبث بها لمآرب ومنافع محدودة وذاتية ، فبقي مبدأ الاصلاح مشدودا الى ارض ٍ عطشى تريد ان ترتوي بمبدأ المشاركة الحقة لتكون قادرة على التحرر من كل رباط تقليدي وان تستقطب المواطنين في بوتقة واحدة دون التلهي بما عفا عليه الدهر واتوا به من جديد من اجل التغلب على بطء الزمن حتى تصل الصعوبة الى درجة الاستحالة ، وبهذا يكون الامر الواقع دونما الخوض في ماهيتها ولا في حقيقة فرضها من جديد .
قبل ستة اسابيع زارني في مكتبي وفد برلماني هولندي، اعضاء في الحزب الديمقراطي المسيحي المتألف انذاك مع الحزب الليبرالي الحاكم ، وكان حديثا مشبعا بالخبرة والمهنية البرلمانية .
عرفت ان عدد مجلس النواب في هولندا مئة وخمسين نائبا لسكان تعداده خمسة عشر مليون نسمة وان الانتخابات تتم على مستوى البلاد بكاملها وحسب نظام القائمة الحزبية المغلقة ولا مكان للمستقلين.
هذا هو النموذج الذي نريده لبلدنا على المدى المنظور، وهذا ما سيأتي بحكومة برلمانية فـَعَّالة تستند بقوتها على برلمان حر منتخب. هذا ما سيُثري النظام بالمزيد من القوة والدايناميكية والمنعة والصلابة والاحترام المحلي والدولي .
فلماذا اللف والدوران اذاً؟ لماذا نخاف الاسلاميين من ناحية والاردنيين من اصول فلسطينية من ناحية اخرى ؟ لماذا نخلق (البعبع الاسلامي ) ثم نضع خطط محاربته وتقزيمه وابقائه في الشارع ؟.
هل هناك احد من الملايين الستة يطمع في الحكم؟ .
هل هناك احد يتأمر على النظام ؟.
هل هناك احد يرضى بان تنزلق البلد الى الفوضى والخراب والصدام والدمار الذاتي ؟.
هل هناك احد يقبل بتحجيم اداء الحكومات في ظل برلمانات غير منتخبة، وصاحب الامارة لا صوت له ؟.
اذاً ما هي الكارثة فيما لو حصل الاسلاميون على ثلث اصوات مجلس البرلمان على احسن حال؟.
هل قانون الصوت الواحد وُجـِدَ وطُبـَّق لتبقى الحلبة ُ لأصحاب الشأن والمصالح والمنافع مما جعل الاكثرية منا في حالة ارتداد ؟.
هناك من يعارض حتما مبدأ المشاركة ومن ثم الابقاء على معادلة الحماية والحُكم معاً كدوائر متنفذة تحمي وتحكم ، ولربما في اجتهادهم ان اي خلل في تلك المعادلة سيدفع البلد نحو التمزق والانحلال والتشرذم والفوضى .هم يحتفظون بحقهم في مساءلة الموقف دون استطلاع اراء الناس.
احترم هذا الرأي ولكني اعارضه من حيث المبدأ .
السؤال الذي يطرح نفسه، فاذا ما جرت الانتخابات على شريعة غاب القانون الواحد والتبعثر الحزبي في القائمة الوطنية ذات السبعة والعشرين رأساً ، فهل ستحدث متغيرات ملموسة ولا اقول جذرية في اسلوب الحكم في عهد المجلس المرتقب ؟ ما مدى التأثيرالايجابي على السلطتين التشريعية والتنفيذية ووسائل الاعلان الموجه؟ . فالغموض يلف مضامين المجلس الجديد في تكوينه وحيثياته وادائه المرتقب.
هل ستبقى الثقة بين الحاكم والمحكوم قوية ام انها ستضعف تلقائيا لنعود ثانية ونـُصحِّح ما جرى من اخطاء ولو بعد حين لنسير معا في نطاق المسؤولية الجماعية؟ .
انني اعي الاحداث فلست طائشا او مراهقــا وانا اتمسك بأمن البلد واستقراره مهما كان الثمن ، ولكني لست من المتفائلين ، فالاصلاح بعيد المنال وما حصل هو مجرد رتوش في عملية تجميلية . وما ارى الا المزيد من الهشاشة والتفــكك اللذين اصابا هذا الصرح وما عاد ذلك بموضع اشتباه بل اصبح حقيقة واضحة. استطيع القول وبكل الم ان إرادة الاصلاح لم تكن حاضـــرة منذ البداية ومع ذلك ومثلي الكثيرون ممن يحبون لهذا البلد كل الامان والاستقرار والرفاهية حتى لو كنا تحت احكامٍ عُرفية فلست من المعارضين .
( القدس العربي )