أمراض مسكوت عنها !!

اعرف حالة واحدة على الاقل فسخت فيها خطوبة شاب من قريتي على فتاة لسبب لم افهمه في تلك الايام فقد قيل ان الشاب يتناول حبوبا لكن ما هي تلك الحبوب؟ هل هي مخدرات ام عقاقير من اي نوع اوصى بها طبيب؟
وبمرور الايام عرفت ان تلك الحبوب هي مجرد وصفة لتهدئة الاعصاب، لكن اهل الفتاة تصوروا وفي حدود ثقافتهم ان من يراجع طبيب اعصاب او طبيبا نفسيا هو في عداد المجانين.
لهذا السبب شح عدد الاطباء العرب في هذا المجال اما زبائنهم غالبا ما يتسترون على الذهاب الى عياداتهم خشية من تهمة الجنون، هذا بالرغم من ان اكثر من ثلاثة ارباعنا يحتاجون الى زيارة الاطباء النفسيين والمعالجة، لان التوتر بمختلف اسبابه يعصف باعصابنا وبامزجتنا النفسية، ومنا من يعانون الشيزوفرنيا ومشتقاتها وهم لا يعلمون، لان تربية من الطراز الذي نعرفه جميعا ونتطواطأ عليه ونادرا ما نناقشه هي بيت الداء في كل ما يتعلق بتكويننا النفسي ومركبات النقص التي نشعر بها ونعالجها على طريقة معالجة الخطأ بالخطيئة. لهذا استوقفني قبل ايام ما قاله طبيب نفسي مصري يعد واحدا من ابرز المشتغلين، في هذا الحقل على مستوى العالم عندما قال ان ما يحدث الان اضافة الى تراكم ما حدث للانسان في هذه المنطقة خلال عدة عقود لم يترك انسانا سويا لكن الناس يتعذبون في صمت، ولا يجهرون بما يعانون فيه خشية الشماتة او سوء الفهم، او احترازا من مصير ذلك الشاب الذي فقد خطيبته لمجرد انه يتناول حبوبا للتهدئة هي مجرد وصفة طبية لا اكثر ولا اقل.
واستطيع ان اذكر الاف المشاهد اليومية من تفاصيل حياتنا تبرهن على ان ما يجري لا يمكن ان يكون طبيعيا وصادرا عن شخصيات متوازنة وتعرف بالضبط ماذا تريد واذا كانت البوصلة التربية وبالتالي الاجتماعية قد اصابها العطب فان ما اضافته البوصلات السياسية المعطوبة ضاعف من حالة الاضطرابات والضياع وفقدان الهدف.
واتيح لي مؤخرا ان ارصد بمعونة اصدقاء من ذوي الاختصاص عدد حالات الطلاق والمشاجرات وسوء التفاهم التي تسبب فيها الموبايل والفيسبوك، فكانت من حيث العدد والنوع كارثة، فمن فقد تماسكه الذاتي وثقته بنفسه لا يمكن ان يثق بالاخرين لان فاقد الشيء لا يعطيه وتلك ابسط مقولة منطقية.
ولو كان المرضى وحدهم قادرين على تشخيص امراضهم وما يعانون منه لما كان هناك حاجة للاطباء والمستشفيات، لكن المريض هو اخر من يعلم بالداء الذي يعانيه خصوصا عندما لا يكون مصحوبا بالم عضوي.
لهذا يقال ان الالم رغم قسوته هو صديق الانسان لانه ينذره بالخطر.
والسؤال هو اين علماء الاجتماع والنفس والاكاديميون المتخصصون بهذه الشجون البشرية مما يحدث لنا الان؟
اقترح عليهم او على بعضهم ممن لديهم هاجس البحث أن يقرأ قليلا ملفات المحاكم فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية وبالتحديد مايخص ذوي القربى. لكن ما نخشاه هو ان المرض عندما يصبح وباء ويتأقلم معه ضحاياه تنقلب المعادلة ويصبح السوي هو الشاذ والصادق هو الساذج والامين هو الابله.
( الدستور )