جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم
تم نشره الخميس 22nd تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 01:05 صباحاً

اسامة الرنتيسي
تمتلئ المواقع الالكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتوتير) بتسجيلات صوتية، وتقارير صحافية، وصور خاصة، لنشطاء في الحراك الشعبي، ولشباب كانوا قيد التوقيف والتحقيق، يشرحون فيها معاناتهم في ايام الاعتقال، وتعرضهم للتعذيب والإهانة، وتظهر على وجوه بعضهم آثار الضرب.
وتزدحم هذه المواقع والصفحات بمئات التعليقات، الحادة، والمستغربة، أن يتم ذلك في زمن الربيع العربي، وفي زمن انتعشت فيه الحريات، واصبح من الصعوبة قبول ممارسات لا تمت للزمن الحالي بصلة.
روايات كثيرة، وشهادات مؤلمة نسمعها عبر تسجيلات مصورة، بعد أن تطورت وسائل الاتصال والاعلام، ولم يعد هناك مجال لإخفاء شيء، لا يجوز ان تبقى هذه الروايات من طرف واحد، ونحتاج إلى توضيحات شفافة ومقنعة من جهاز الأمن العام.
جميع الاعترافات التي تنتزع تحت التعذيب لا تعترف بها المحاكم الاردنية، وهناك قرار تاريخي لمحكمة التمييز، عندما اصدرت قرارا ببراءة المتهمين في محاولة اغتيال الملك الراحل، والتي عرفت وقتها بقضية طلبة جامعة مؤتة، حيث قررت محكمة أمن الدولة إعدام 11 متهما من الطلبة، وعندما رفع القرار لمحكمة التمييز، ابطلت القرار وحكمت ببراءة المتهمين، لأن اعترافاتهم انتزعت بالقوة (تخليع أظافر بالكماشة. هذه العبارة ليست مني إنما من قرار المحكمة).
كان هذا قبل اكثر من 10 سنوات من الربيع العربي، فهل نبقى نستمع إلى هذه الممارسات في زمن لا يمكن أن تسمح به اية مواثيق دولية وانسانية، وفي زمن تصطاد عدسات المصورين كل اعتداء على متظاهر، وتسجل كل حالة تعرضت للضرب والاهانة، وفي تطور الكرامة، اصبح الاشخاص لا يتورعون عن كشف ما تعرضوا له من تعذيب، لأنهم يعرفون انهم محميون من قبل وسائل الاعلام، ومن قبل المؤسسات الحقوقية والانسانية.
مهمة الأمن في زمن الاحكام العرفية هي غيرها في زمن التغيير والولوج إلى بوابات الديمقراطية، ليس فقط بالوسائل والادوات بل بالفكر والممارسة.
معظم الاخطاء التي تقع في البلاد حاليا، نتيجة عقلية امنية لا تزال غير منسجمة مع المتغيرات، وغير متطابقة مع خطاب الاصلاح، ولا مؤمنة به، لذا تقع الاخطاء وتتحمل بعض الاجهزة المسؤولية عن خشونة مارستها ضد محتجين، او الاعتداء على متظاهرين ومعتصمين، وما يرافق ذلك من عنف مرفوض.
ما يقع من اخطاء، لا تصلحه لجنة تحقيق لمعرفة المتسبب في الحدث، وانما تصلحه عقلية جديدة تنظر إلى دور جديد للأمن في زمن التغيير والثورات.
أهمس في أذن من يقومون بمثل هذه الأعمال بأن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم في عدد من الدول، ومنها اليمن. وهناك دول تحاكم المتهمين بممارسة التعذيب حتى لو ارتكبها أشخاص في دول أخرى وكان الضحايا من غير حملة جنسيتها. اي ان بالإمكان محاكمة رجل شرطة أردني أمام محكمة بريطانية أو بلجيكية لو قام مستقبلا بزيارة بريطانيا أو بلجيكا.
( العرب اليوم )