حرب كيماوية على الحدود الشمالية

تم نشره الأحد 09 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:30 صباحاً
حرب كيماوية على الحدود الشمالية
د.باسم الطويسي

أكثر من منظور يتم تداوله اليوم في تفسير الحملة السياسية والإعلامية التي عادت من جديد حول وضع الأسلحة الكيماوية السورية واحتمالات أن يلجأ النظام السوري في لحظة يأس الى استخدامها، وعلى الرغم من أن هذه الحملة ذات أبعاد استراتيجية في صلب مستقبل المعركة في سورية ومواقف حلفاء أطراف الصراع، إلا أنها نالت الأردن ووصلت التسريبات الإعلامية إلى الإشارة إلى طلب إسرائيلي، رُفض أردنيا، باستخدام الأراضي الأردنية في عمليات تستهدف السلاح الكيماوي السوري. وبغض النظر عن جدية هذا الموضوع، فإن أبخرة الحرب الكيماوية المزعومة أول ما ستتسرب عبر الحدود الأردنية الشمالية.
المنظور التفسيري الأول يذهب إلى أن هذه الحملة لا تعدو أكثر من سيناريو يكرر نسخة أخرى من حرب التضليل الإعلامي التي مارستها الولايات المتحدة وتحالفها الكبير ضد العراق، في أسطورة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي انتهت إلى ما انتهت اليه بحرب شرسة، عُدت الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية. يأتي ذلك بعدما فشلت سيناريوهات عديدة في إسقاط نظام الأسد. سيناريو آخر يرى أن الدبلوماسية الغربية وأجهزتها الاستخباراتية تريد أن تستثمر بعض الإنجازات التي حققها الجيش الحر في الأسابيع الأخيرة، وتصوير أن النظام في دمشق ينهار، ولكنه سيمكث لبعض الوقت وسيجد نفسه في لحظة ما أمام خيار واحد هو الانتقام من شعبه باستخدام الأسلحة الكيماوية. نتيجة هذا التصور الإعلامي، فإن التدخل الدولي يصبح لا بد منه ومبررا سياسيا وأخلاقيا.
المنظور الثالث يخشى من وقوع أسلحة كيماوية في أيدي جماعات مسلحة ضمن طيف الجماعات التي تحارب النظام السوري ومنها جماعات دينية متطرفة. وهي الخشية التي يستشعرها النظام نفسه، ما دفعه الى تشديد الإجراءات الأمنية ونقل ومواقع هذه الأسلحة، الأمر نفسه دفع الجيش الاسرائيلي قبل شهور إلى التحذير على لسان رئيس هيئة أركان الجنرال بيني غانتس من أن تل أبيب قد تجد نفسها مضطرة لإجراءات ضد الأسلحة الكيماوية السورية خشية من أن تقع تلك الأسلحة بين أيدي الجماعات المتطرفة.
وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقها الرئيس الأميركي أكثر من مرة، ومنها أن التفكير باستخدام هذه الأسلحة يعني التدخل الأميركي المباشر، أو تحذيره الأخير "لن نسمح بأن يلوث القرن الحادي والعشرون بأسوأ أسلحة القرن العشرين"، فإن مسألة التدخل الأميركي أو الاسرائيلي ورطة استراتيجية كبرى بالمفهوم العسكري، فبعد أن قامت القوات السورية بنقل الأسلحة الكيماوية إلى عدة مواقع فإن أي عملية عسكرية جوية بتوجيه ضربات مباشرة قد لا تكون حاسمة، وهي قد تؤدي إلى كارثة نتيجة انبعاث الغازات إلى الجو وعدم التمكن من تدمير المخزون بأكمله، ما يتطلب عمليات عسكرية على الأرض تقوم بها وحدات مدربة على عمليات متخصصة، ما يحتاج إلى أكثر من سبعين ألف جندي على الأرض، وهو ما يبدو مهمة مستحيلة على الولايات المتحدة واسرائيل.
المفارقة الكبرى أن الحملة المسعورة على الأسلحة الكيماوية السورية والتباكي على مصير المدنيين، إذا ما تورط النظام بعمل أرعن من هذا القبيل، تتجاهل الموت بالجملة الذي يحصد مئات السوريين يوميا منذ اكثر من 21 شهرا، والذي ربما فتك عمليا بالمدنيين أكثر من عمليات كيماوية أو غيرها. يحدث ذلك ولدى المجتمع الدولي قناعة بأن الحسم العسكري في سورية صعب ويحتاج سنين على هذا الوضع، بينما يتثاءب المجتمع الدولي المتورط في المعركة على مصير سورية كلما ذكر الحل السياسي.
قبل أكثر من الفي عام استخدمت الأسلحة الكيماوية لأول مرة في حروب العالم القديم، استخدمت غازات سامة تسبب الارتخاء والنعاس والدوار الذي يصيب الجيوش وحتى القادة. ربما هذا ما أصاب المجتمع الدولي هذه الأيام؛ فالمعركة على مستقبل سورية هي حرب كيماوية سياسية لا أكثر.

( الغد )

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات