قراءة في زيارة الملك عبدلله الثاني لرام الله

المدينة نيوز - نشرت صحيفة القدس الفلسطينية الاحد مقالا للكاتب الفلسطيني احمد رفيق عوض قرأ فيها زيارة جلالة الملك الى رام الله ننشره كما ورد :
كان العاهل الأردني هو الأسرع في زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة عقب صدور القرار الأممي بقبول فلسطين عضواً غير مراقب في الأمم المتحدة، مستوى الزيارة الأرفع و مستوى السرعة يعكسان تماماً رغبة الأردن و قلقه أيضاً من الخطط الاسرائيلية السرية و العلنية بالعبث بالأمن و الجغرافيا و الديموغرافيا و النظام في الأردن، و بهذا فإن وجود دولة فلسطين- تحت الاحتلال أو فوقه- هي صمام أمان حقيقي ليس فقط للأردن و انما للأمن القومي العربي الاستراتيجي كله، و من هنا، وجب على الجميع دعم فلسطين، شعباً و مقاومة و صموداً، ان بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه مهما كان الثمن يمثل أعلى قيمة من قيم النضال القومي والتاريخي والانساني.
زيارة الملك عبد الله الثاني الى الأرض الفلسطينية المحتلة، على خلفية القرار الأممي و على خلفية القرار الاحتلالي باستمرار و تعميق الاستيطان، تمثل موقفاً أردنياً واضحاً و صلباً في عدم التعاطي مع الاطروحات الاسرائيلية القائلة بدولة فلسطينية في الأردن، أو القائلة بتكوين «بنولوكس» ثلاثي يضم الأردن و الأراضي الفلسطينية و اسرائيل، و معنى هذا ان يتم التخلص من الفلسطينيين و قذفهم الى الحضن الأردني ضمن ترتيبات تخلو من السيادة او الاستقلال.
ان فكرة «البنولوكس» التي يكثر الحديث عنها تعني أيضاً ان يتحمل الأردن كلفة الاحتلال، و هو ما يرفضه بالـتأكيد النظام و الشعب الأردني الشقيق و الأصيل: فليس الآن وقت الهدايا المجانية و لا التنازلات المؤلمة التي تأكل اللحم الحيّ. ان الأردن الآن، الذي ينوء بأثقاله و أحماله الاقتصادية و الذي يشهد حراكاً سياسياً استغرق حتى الآن عامين، لن يحمل أو يتحمل أخطاء الاحتلال و سياساته و خططه..
و لهذا فإن من مصلحة الأردن العليا أن تقوم دولة فلسطينية على أرض الشعب الفلسطيني، دولة لا تشكل عبئاً و لا خطراً و لا تهديداً، و بعيداً عن تلك العلاقات العميقة بين الضفتين، فإننا الحديث يدور عن احتلال يريد أن يكبر و يتضخم و يعيش على حساب شعوب المنطقة و ثرواتها،و قد يقول قائل ان هناك هشاشة ديموغرافية تسمح للمحتل ان يعبث بالساحتين الفلسطينية و الأردنية، وقد يقول قائل ان اسرائيل تريد منا جميعا ان نؤدي ادوارا معينة هنا أو هناك، و لكنني أقول أن الوضع الداخلي- لنا جميعاً- لا يسمح بذلك أبداً،فمصالحنا و أولوياتنا جميعاً هي المهددة، بل وجودنا مهدد أيضاً، و بالتالي فإن موقفاً أردنياً فلسطينياً واضحاً و محدداً سيكشف السياسة الاسرائيلية و خططها التوسعية، و ان موقفاً مثل ذلك سيساهم أيضاً في تهدئة الأوضاع و توفير اجابات حقيقية لأولئك الذين يتظاهرون في شوارع المدن الأردنية و يبدد مخاوفهم و تساؤلاتهم ويصوب و يحدد مطالبهم.
ان تصويب العلاقة مع المحتل على المستوى الأردني و الفلسطيني سيجعل من أي حراك شعبي يزيد من صلابة الموقف الرسمي و تعزيز السياسات الداخلية بما يضمن الكرامة و الرخاء و المشاركة.
و في لقاء موسع و حميم مع السفير الأردني في رام الله السيد عواد خالد السرحان قال فيه ان الاصلاح في الأردن يكتسب أهمية متزايدة، لأنه ليس اصلاحاً سياسياً فقط و لكنه اصلاح متعدد الجوانب و معقد الآلية، فالأردن مهدد بالجغرافيا، و محتقن بالتعددية و محاصر بقلة الموارد و مطالب بأدوار لا يستطيعها ولا يريدها، تحدث السفير بألم و استفاضة و لكن بأمل كبير، فقد قال ان ما يحدث في الأردن ينعكس في فلسطين سلباً و ايجاباً، و هذا صحيح تماماً، و لأن ذلك كذلك، فقد سارع الملك الى زيارة رام الله، ليقول للفلسطينيين انه معهم و يدعمهم، و ليقول للأردنيين أنه لن يخضع للخطط الاسرائيلية السرية و العلنية التي تتراوح ما بين دولة فلسطينية في الأردن أو ائتلاف ثلاثي يتحمل فيه الأردن عبء الاحتلال و كلفته، و ليقول للاسرائيليين ان عهد فرض الوقائع بالقوة قد انتهى.
و قد يقول قائل ان زيارة الملك، و ان كانت تدفن حل الوطن البديل أو الدولة البديلة، الا انها تمهد الطريق أيضاً الى تدخل أكبر في الشأن الفلسطيني من خلال المشاركة في مفاوضات جديدة مع الاسرائيليين، و ان الأردن قد يلعب دوراً مستقبلياً في هذا الشأن، و للرد على ذلك نقول ان الفلسطينيين دائما ما يتحركون بين قطبين هما الأردن و مصر، و اذا كانت الدولة الفلسطينية العتيدة ستقوم على أعتاب البيت الأردني، فهي بالتأكيد ستشرف على تفاصيل كثيرة.
و لكن الأهم في هذا كله، هو الحفاظ على الثوابت الفلسطينية و الأردنية، التي هي ثوابت واحدة، لان الخطر و الضرر و المصلحة و المستقبل توحدها. و تتمثل هذه الثوابت في شعار واحد: فلسطين للفلسطينيين و الأردن للأردنيين، في دولتين حرتين كريمتين مستقلتين بينهما علاقات هي الأوثق و الأعمق يحددها الشعبان في اللحظة المناسبة ، بعيداً عن المحتل و سياساته و أطماعه طال الزمان أم قصر.
الكاتب احمد رفيق عوض