انقسام المجتمع أخطر

الذين يريدون ان يكسبوا على «جبهة» السياسة دون النظر لما يترتب على هذه المكاسب من خسارات على جبهة «المجتمع» هؤلاء مدعوون لاستبصار تفاصيل المشهد الراهن، سواء هذا الذي نتابع في مصر وفي تونس ام في سوريا.. وغيرها من اقطارنا العربية التي انتهى الصراع فيها على «الإصلاح او التغيير» فربحت بعض الأطراف وخسرت اخرى.
المجتمعات –في العادة- تدفع ثمن الصراع على السلطة، وهي التي تتحمل «وزر» الاستقطاب بين النخب، واذا كان اصلاح «السياسة» له ثمنه فان الوصول اليه وتحقيقه مهما طال الزمن مسألة مقدور عليها، لكن اصلاح «المجتمع» مكلف اكثر، وأسوأ ما فيه اننا سنضطر الى الدخول اليه من بوابة « فساد السياسة» ومن عتبة «النخب» التي تواطأت على خرابه وضربه او أسهمت فيهما، وعندئذ نكون كمن «لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى».
مشكلة عالمنا العربي اليوم هي ما حدث من انقسامات في مجتمعاتنا، فقد استيقظ البعض على «حلم» التغيير ومطالب الاصلاح، وانشغلوا عن «رؤية» النخب والطبقات السياسية التي استأثرت بالمشهد واختطفته لحساباتها ومصالحها، وفجأة وجدنا انفسنا امام «فسطاطين» كلاهما يبحث عن هدف واحد، ولكنهما غير قادريْن على «الالتقاء» والتمايز ولا على التفاهم والحوار وكأنهما مشدودان «لحبل» النخب واستقطاباتها او اسيران لحالة الفرز التي ولدتها صراعات السياسة وحسابات المواقع ومغانمها.
كانت الشعوب –فيما مضى- ضحية للانظمة والحكومات، دفعت ثمن استبدادها وفسادها، وتحملت محاولات ضربها، وتفتيتها، لكنها –الآن- تجد نفسها ضحية مرى اخرى لصراعات جديدة ترفع لافتة الحرية والديمقراطية وتتغطى بشعارات الثورة والاصلاح ولانها لم تخرج بعد من قيود عقود طويلة من «الكبت» والقمع ولم تتعاف من الامراض التي اصابتها، فان مناعتها لا تمكنها –الآن- من ردّ الجراثيم التي تحاول اختراق اجسادها، او من الدفاع عن ذاتها، فيما يمارس بعض الذين «يتنافسون» على اصواتها ودمائها هواياتهم السياسية لتصفية حساباتهم وتنفيذ اجنداتهم دون ان يهتز له طرف او يرف له جفن.
باختصار لا نريد ان ندفع ثمن الاصلاح السياسي او التغيير اذا كان المطلوب هو «ضرب» وحدة المجتمع وتفكيك نسيجه والاشتباك على انقاضه، لا نريد ايضا ان تُختزل مشاهدنا السياسية في معارك بين ثنائيات مهما كان وزنها، فالناس اكبر من الحراكات والاحزاب؛ والمجتمعات هي «الثابت» الوحيد في طريق البحث عن الاصلاح، واذا كان لا بد ان نتوجه الى الاصلاح الحقيقي فان العنوان الصحيح هو «بناء المجتمع» والحفاظ على تماسك مجتمعاته وعدم استخدامه لتصفية اي حسابات سياسية، تلك –بالطبع- مهمة الدولة ونخبها واعلامها، وافضل الف مرة ان نترك للناس ان تحدد مصيرها دون تدخلات النخب واستقطاباتها وصناعة «الثنائيات» القاتلة للتخويف من هذا الطرف او ذاك، بدل ان نوظفهم على حساب وحدتهم وسلامهم الداخلي لتمرير وصفات ما، او لاقناع البعض بأن ثمة اصلاحا مكلفا، فيما الحقيقة ان ثمن انقسام المجتمعات أخطر.. وأخطر.
( الدستور )