حوار مع على أبو الراغب:للفهم قبل الحكم..!

على مدى العامين المنصرفين فتحنا آذاننا –وقلوبنا ايضاً-لأصوات “الشارع” ،كانت بالطبع فرصة للاستماع الى ما يفكر به الناس الذين ظلوا صامتين او مغيبين، وفرصة لمعرفة “تقييمهم” للمرحلة التي مرّت، بأخطائها وانجازاتها، لكن خطاب الشارع على ما اتسم به من صدق وعفوية وسلمية، وقع في محظور “التعميم” فأدان جميع من استلم مقاليد المسؤولية، وأصدر احكامه مسترشداً ب”التوجيه الإعلامي “احياناً و “بالتلوين” السياسي أحيانا أخرى، دون ان يستمع للمتهمين او يبادر الى التقاط ذبذبات ارسالهم التي ظلت للأسف مقطوعة..او انها تعرضت لكثير من التشويش.
ليست مهمة الكاتب –طبعا-ان يدافع او ان يتهم، ولا ان يتبنى وجهة نظر ضد أخرى، كما انه لا يستطيع غالبا ان يسبح ضد التيار، فكيف اذا كان هذا التيار هادراً بما يكفي لدفع الجميع الى الصمت، لكنني قررت ان اخوض التجربة، واخترت ان يكون اول عنوان اذهب اليه هو رئيس وزراء اسبق، لم يسبق لي ان قابلته فيما مضى، لكن ما دفعني الى ذلك أمران: احدهما ان “الرأي العام “ مازال مشغولا بالحديث عن تجربته، كما ان صدى القضية التي رفعها على بعض وسائل الاعلام مازالت تتردد، ولأننا سمعنا روايتها من طرف واحد كان لا بدّ ان نسمعها من الطرف الاخر رغم انه آثر ان يفصل فيها القضاء لا “الشارع” ولا الاعلام.
اما الامر الاخر فيتعلق بصميم واجب “ الصحفي” حين يختار التعبير عن “الضمير” العام ورؤية الصورة من كافة زواياها مع التزام النزاهة والموضوعية؛ ما يستدعي “الانصات” للمتهمين والضحايا معاً، وما أكثر ما يلتبس لدينا الخط الفاصل بين الاثنين، فالمتهم أحيانا قد يكون هو الضحية والعكس قد يحصل أيضاً، لكن يبقى البحث عن الحقيقة هو شاغله الوحيد ،واذا كان من الصعب ان يدركها دائما ، فليس اقل من ان يجتهد لمعرفة بعض جوانبها.. لا لكي يبرئ هذا المتهم او ذلك وانما من اجل ان لا يروح “الصالح” بجريرة “الطالح” او ان نترك “الشاطر” الذي يستطيع ان يأخذ “حقه” بيده او بأي طريقة أخرى، ونمسك “الاخر” الذي لم يجد من يدافع عنه او يفسح له المجال للدفاع عن نفسه.
بالنسبة لي – على الأقل-كان الحوار مع المهندس على أبو الراغب مهمة ضرورية لاستكشاف ردوده على كثير من الأسئلة التي تراودني منذ زمن بعيد، ولأنه ليس حواراً للنشر اعتقدت انه سيكون صريحاً وقريباً من “ الحقيقة”..وهذا ما حصل، فإن كانت الكلمات تعجز احياناً عن التعبير فإن الصورة بماتثيره من انطباعات ومشاعر وردود عفوية تضيف اليك بعض ما تحاول ان تعرفه.
ساعتان – او ربما أكثر-، فتح الرجل فيهما كل الملفات، منذ ان كان نائبا في البرلمان مروراً برئاسة الحكومة لأكثر من 3 سنوات، ووصولاً الى موقعه الان “كمراقب” للشأن العام ،لم يخف أي شيء،من معلومات وأرقام وانطباعات لم تأخذ حقها من النقاش العام، سواءً في ملف التأمين او الأراضي او الحديد او الازمة الاقتصادية
او القضية الأخيرة التي ينظرها القضاء حول “أرض جامعة التكنولوجيا” ومع كل ملف يدافع الرجل عن موقفه واجتهاده، ويؤكد انه وقع “ضحية” لانطباعات غير صحيحة، او لاستهدافات غير مشروعة.. وتشعر وانت تسمعه انه تعرض “لظلم” يصعب على غيره ان يتحمله.
هل اجتهد أبو الراغب فأخطأ؟ ..ربما، هل تقصده البعض دون غيره؟ ريما ايضاً، لكن أليس من حقه –ومن حق غيره ايضاً- ان نستمع اليهم ، أليس من واجبنا ان نعرف بدقة اين اصابوا وأين اخطؤوا، وان نضع “الجميع” على مسطرة واحدة لكي نكون منصفين أكثر..وان “نتبيّن” الحقيقة بما فيها من التزام بالبحث والدقة والاستقصاء لكي نعرف من انحرف عن المسؤولية ومن وقف على خطوطها الشائكة.
كل ما فكرت فيه حين ذهبت للقاء الرجل ان اجد طريقاً آخر يمكن ان نذهب اليه للخروج من ازمة “الصدام” التي انهكت بلدنا..وان نبدأ مرحلة المصارحات والمكاشفات وصولاً الى المصالحات التي تعيد لمجتمعنا عافيته، او جزءاً منها...فقد اتعبتنا حقاً لعبة “الشد” والاتهام والتراشق...وافقدتنا القدرة على تميز الأشياء والرجال...ودفعتنا الى “ادانة” الجميع ورفضهم دون ان نسمعهم...فاسمحوا لي ان ادعو لكي نسمعهم...ثم نصدر احكامنا عليهم.( الدستور )