إبريق أزرق وإبريق أخضر!!

حكاية طريفة نلتقطها من مجالس الأردنيين وتصلح على الأقل للتسلية إن لم تكن فيها العبرة مع أنها لا تخلو من العبرة والإسقاطات المهمة.
تقول الحكاية إن رجلا عطلا عن العمل وله قريب مسؤول فلجأ إليه يطلب منه ان يوفر له وظيفة, وبعد حين تم توظيف الرجل في المسجد لكن بلا عمل او وظيفة لأن في المسجد ما يكفيه من الموظفين, وفي أحد الايام وبينما هذا الموظف يجلس عند باب المسجد يعاني الملل ويعد المصلين وأحيانا يراقب حركاتهم قفز إلى ذهنه سؤال بعث في نفسه القلق: ماذا لو ان قريبه المسؤول خرج من موقعه وأصبح بلا "ظهر" فإنه حينئذ سيجد نفسه في الشارع لأن المسؤولين سيجدون انه بلا عمل ولا مهمة محددة وسيتم الاستغناء عنه وعن خدماته الوهمية.
عندها قرر أن يخترع لنفسه وظيفة تكون حصنا له فيما لو تغيرت معادلات النفوذ والمصالح, فأخذ كرسيا وجلس إلى جانب الباب فإذا أراد أي شخص أن يأخذ إبريق وضوء ليتوضأ رفع صوته عاليا يطلب منه ان لا يأخذ هذا الإبريق الأخضر وأن يأخذ إبريقا أزرق او أصفر, واستمر يمارس مهمة الصراخ وإصدار الأوامر للمصلين ليطلب من كل شخص ان يستبدل الإبريق بلون آخر, حتى مر إلى جانبه رجل يوما وسأله عن الحكمة من تشدده وإصداره الأوامر إلى كل شخص ليغير لون إبريق الوضوء, فضحك الموظف العظيم وقال إن كل الأباريق متشابهة والوضوء باستخدام الإبريق الأخضر مثل الأحمر والأزرق لكنه ابتكر هذا العمل حتى يجد لنفسه "وصفا وظيفيا" وليكون لدى المصلين ما يقولونه لأي مسؤول قد يسأل عن مهمته ودوره بدل أن يصفه الناس بأنه بلا عمل ويسهل الاستغناء عنه.
هذه الحكاية قد تذكر الكثيرين منا بأوضاع وحكايات بل بمراحل سياسية وحتى مسارات دول, وأحيانا نجد أمورا ومواقع وأعمالا وخططا يتم "اختراعها" لكننا لا نجدها تحمل الجديد أكثر من كونها تحدث نوعا من الحركة, أو نوعا من الصخب السياسي والإعلامي, وأحيانا تكون مدخلا لكادر وظيفي وجدول تشكيلات ومواقع ورواتب عالية وتنفيع فلان أو علان.
وأحيانا نجد مسارات نقرأ عنها في الإعلام أو يتم ترويجها للناس, بل أحيانا يقدم البعض أشياء على أنها إنجازات او حتى انتصارات, لكن عندما ندقق في جوهرها او تخضع للتقييم فإننا لا نجدها تختلف عن المهمة الجليلة للموظف الذي خاف على نفسه فاخترع دورا له حسبه الناس أمرا مهما, لكنه ليس اكثر من درع تحميه من الخوف وربما لو غاب يوما لمرض او نزهة لما شعر الناس ان هناك مشكلة في لون الابريق الذي يختارونه للوضوء.
المراحل المتقدمة من الخيال تتيح لنا تصور لو أن هذا الموظف استطاع ان يجد واسطة اضافية او وجد مسؤولا ضعيفا وغارقا في المحسوبية يقتنع ان هذا الموظف يجب أن يتم إرساله في بعثة الى دولة متخصصة في صناعة الأباريق ليدرس الخيارات الأفضل وما هي ألوان الاباريق التي تصلح لمدينته, او اختراع وزارة باسم وزارة الاباريق مثلما يتم اختراع الكثير من الأطر التي لا تترك اثرا, وإذا اراد خبير الأباريق ان يمارس السياحة إذا اصابه الملل من الجو المحلي فربما يتم إرساله في مهمة دبلوماسية ليكون سفير الأباريق.
لن نزيد لنترك لكل قارئ من أي بقعة من بقاع عالمنا العربي ان يترك لخياله ان يتجول ليجد أمامه حكايات لا تختلف في جوهرها عن حكاية الأباريق الملونة.