فلسطين الكبيرة

ليس سرا أن دبلوماسيين أميركيين ومنذ سنوات يلحون في أحاديثهم مع النخب الأردنية على إلغاء مفهوم "المخيم". فما معنى وجود مخيم في ظل وضع جغرافي مرتبط بالبلديات وبأمانة عمان خدميا وتابع سياسيا للدوائر الانتخابية؟ السؤال في إطار الخبث والتغابي وليس السذاجة؛ فجوهر القضية الفلسطينية هو المخيم، ولو استبدلنا أسقف الصفيح بالقرميد.
ولذا يكتسب اسم "الوحدات" رمزية بالنسبة للأردنيين تماما مثل الفلسطينيين لأنه يعني أن ثمة مطالبة قائمة ودائمة بحق العودة. وهذا الاسم يسمو بسمو القضية الفلسطينية, ولا يجوز أن يدخل في سجال سخيف وتبادل للشتائم واستفزاز للغرائز وتجييش للمشاعر.
في الأصل كنا نحتفل بذكرى الإسراء والمعراج، وللتذكير في ظل حال الانحطاط، فإن القدس هي القبلة الأولى التي اتجهنا لها وإليها أسرى النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى السماء. وسورة الإسراء التي يتلوها المسلمون تتحدث عن إفساد الحركة الصهيوينة قبل وعد بلفور وخطة أوباما، ذلك الإفساد الذي يقضي عليه عباد أولو بأس شديد.
وفي وجدان الأردنيين ظلت فلسطين تاريخيا كذلك ارض الإسراء وليست جوارا جغرافيا رخوا ينزف باللاجئين. ولم تكن تلك الهتافات لتصدر من جمهور الملاعب في ذكرى الإسراء لولا الانحطاط العام الذي يريد أن يحول القضية الفلسطينية إلى صفقات تعويض مهينة. وما يعبر عن الوجدان الأردني تلك الدماء التي سالت دفاعا عن فلسطين سواء في الجيش العربي أو في حركات المقاومة، ألم تودع قرية حمود من قريب "شربل" ذلك الكركي الذي أفنى عمره قتالا في سبيل فلسطين؟
في حرب غزة كانت عمّان شرارة التضامن التي حركت عواصم العالم، ولم يبق في الأردن ناحية لم تخرج تضامنا لم تخمد جذوته حتى الآن. وستاد عمان قبل أن ينقسم على جمهورين توحد جمهوره تضامنا مع غزة, ومن ضاقت بهم الطرقات يومها فاق عددهم من احتشدوا تضامنا مع غزة المجاهدة المصابرة. والأردنيون على العهد الذي نص عليه دستورهم "جزء من الأمة العربية" فلسطين والعراق والجزائر.. فيه سواء.
لقد أعطت القضية الفلسطينية شرعية للزعماء لا للشارع فحسب، فعبدالناصر بايعته الجماهير على وعد بتحريرها، والخميني اعتبر البصرة طريقه إلى القدس، وصدام علق على الأعواد وهو يهتف لها.
مصلحة الأردن أن تظل فلسطين قضية لا لعبة كرة قدم، ومصلحة الأردن أن يظل "الوحدات" رمزا لنتائج العدوان الصهيوني الذي اقتلع الناس من أرضهم بقدر ما هو رمز للصمود والقبض على جمر العودة. لا توطين للمواطنين. فالفلسطيني والأردني محكومان بقانون الجنسية لعام 1954، وحق العودة حق فردي إنساني تماما كما هو حق الدولة، ولا يتعارض مع حمل أي جنسية سواء كانت أردنية أم أميركية.
توجد مصلحة إسرائيلية بتفجير الوضع الداخلي الأردني بحيث تصغر القضية الفلسطينية إلى مستوى مناوشات حرب أهلية. وبدلا من الانشغال بمحاربة المشروع الصهيوني الذي يرفض إلى اليوم تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار وتجريم مجازر الإبادة في غزة وتسميم الرئيس الفلسطيني عرفات (لماذا لا تكون له محكمة دولية مثل الحريري؟) بدلا من ذلك ننشغل بالأوضاع "غير الإنسانية" للفلسطينيين في الأردن! وكأننا أمام حركة صهيونية جديدة، أرض بلا شعب (الأردن) لشعب بلا أرض (الفلسطينيين).
تدرك الأكثرية الساحقة من الأردنيين والفلسطينيين أنهم في خندق واحد في مواجهة المشاريع التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية في الأردن. وهذه الأكثرية هي القادرة على رفع صوتها في مواجهة المشروع الصهيوني وعملائه الذين يتحدثون بلغة عربية. وهذه الأكثرية عليها أن تعلي صوتها ولا تصمت أمام دعاة الفتنة وإنهاء القضية الفلسطينية.