طائرة طفيليّة

حلقت طائرة بدون طيار محليّة الصنع في سماء الطفيلة، في منطقة العيص المحيطة بجامعة الطفيلة التقنيّة لمدة نصف ساعة تقريباً، بعدما تم اطلاقها من الجامعة بحضور رئيس الجامعة ومساعديه وحشد من أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة، الذين شهدوا هذا الحدث المهم لأول مرة في تاريخ الأردن.
الطائرة التي حلقت بنجاح هي من اختراع الدكتور المهندس عبدالاله الشباطات، الذي عمل على تصنيعها في مشاغل الجامعة ضمن مشروع تدريبي للطلبة، وقد استغرق تصنيعها مدة عامين من الزمن، وهي تعمل بجهاز تحكم عن بعد، وتحتوي كاميرات قادرة على التقاط الصور وتزويدها لاجهزة غرفة التحكم.
هذا الاختراع يعد انجازاً علميّاً ناضجاً يستحق الرعاية والتقدير، لأنه يمثل قفزة كبيرة في عالم التقنية الأردنية ينبغي على الحكومة أن تسعى الى العمل على تطويرها وتحسين أدائها وادخال التعديلات المناسبة التي تجعلها قادرة على القيام بأدوار وأعمال مفيدة في مجالات مختلفة من خلال تقديم الدعم المادي والمعنوي لهذا الفريق ولهذا العمل الرائد.
جامعة الطفيلة التقنية التي نجحت في تحقيق هذا السبق، تستحق تحية الاعجاب من الشعب الأردني كله، لانه يعطي ومضة من أمل وشعاعاً جميلاً رقيقاً في سماء الجامعات المتلبد بغيوم العنف، وضباب الممارسات غير الحضارية التي نشاهدها ونلمسها ونعيشها في أغلب الجامعات الاخرى.
كنت أتسائل دائماً، كما يتسائل كل أردني عن دور جامعاتنا العريقة وكلياتها العلمية، التي تغص بالشهادات العالمية، وتزدحم بالتخصصات من كل لون، في خدمة مجتمعنا المحلي، وأين دورها في تنمية العقل المبدع القادر على الاختراع والابتكار والانتاج الحقيقي، الذي يلبي حاجاتنا الملحة من أجل اللحاق بشعوب العالم الحية والمنتجة والمتقدمة التي تعتمد على نفسها في غذائها ولباسها وخدماتها.
لقد مرّ على بعض جامعاتنا منذ تأسيسها نصف قرن، وكنت أود أن يكون الاحتفال المهيب بمناسبة مرور خمسين عاماً على وضع حجر الاساس فيها، أن يحوي عدة فقرات تعرض الانجازات الراقية والابداعات الطلابية المفيدة والاختراعات التي تخدم المجتمع الأردني، مثل (سيارة الجامعة) التي تكون من اختراع الجامعة وقطارات الجامعة وغسالة الجامعة، ومروحة الجامعة، فهذه جامعة الطفيلة تنجح في اختراع (طائرة الجامعة) التي تبين أن هذه الامنيات يمكن أن تتحقق وليست ضرباً من الخيال..
إن النجاح في اطلاق هذا الانجاز يعزز الثقة في نفوس الطلبة ويطلق العنان للعقل الشبابي الأردني لينطلق في عالم الابداع ويقدح شرارة التنافس المحموم بين الجامعات وأساتذتها وطلابها في انجاز أكبر عدد من الاختراعات والابداعات الحضارية الراقية التي تؤسس لنهضة أردنية مستقبلية قادمة بإذن الله.
حدث اطلاق الطائرة الطفيلية الصنع جاء في وقت أحداث الشغب في جامعة مجاورة اسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، من أجل البحث عن الحلول الحقيقية التي ينبغي أن نفكر فيها بعمق، وبطرق عملية ممكنة بعيداً عن الاكتفاء بالنقد والجلد والاستغراق في بث الاحباط واليأس والتشاؤم.
نحن بحاجة الى استحداث مسابقة سنوية بين الجامعات الأردنية في الانجازات الابداعية، في كل عام على الصعيد العلمي والبحثي، وعلى صعيد الانجاز والابداع والابتكار وعلى صعيد الأدب والشعر والرواية والتأليف، وتكون برعاية مؤسسات كبرى وشركات محلية، وشخصيات وطنية، كل في مجال اختصاصه ومجال نشاطه، وينبغي وضع المعاير والشروط المطلوبة التي تضبط عملية التنافس الايجابي المفضي الى تقدم المجتمع الحضاري، على الصعيد المعنوي المتمثل بالادب والفكر والثقافة والخلق، وعلى الصعيد المادي المتمثل بالإنجازات الملموسة والاختراعات الجديدة.
تحية الى الدكتور المهندس عبدالاله الشباطات، وتحية الى فريق الطلبة الذين اسهموا في انجاح هذا الانجاز، وتحية الى جامعة الطفيلة التي دعمت هذا الانجاز وشجعته ودعمته، وتحية الى الطفيلة الأبية وجميع أهلها الاصلاء. ( العرب اليوم )