عيد الاستقلال والكرامة الأردنية

تم نشره الأحد 26 أيّار / مايو 2013 02:20 صباحاً
عيد الاستقلال والكرامة الأردنية
د. رحيّل غرايبة

يحتفل الاردنيون بعيد استقلالهم السابع والستين ، و يحق لهم أن يحتفلوا ويعبروا عن مكنونات الفرح و الحبور ، و الأمل بمستقبل مفعم بروح الاستقلال الحقيقي والكامل ،الذي يعزز مخزون الارادة الجمعية المتجهة نحو بناء الوطن، وبلورة الهوية الوطنية المستقلة التي تشكل محلا للفخر والاعتزاز ، والتي تتكامل مع الهوية القومية العربية ، و الانتماء العميق للمشروع الحضاري الاسلامي الكبير .

الاستقلال بمعناه الجوهري يتركز حول مفهوم الكرامة الادمية ،التي جعلها الخالق الكريم صنو الانسانية، فقد خلق الله الانسان مكرما منذ ولادته ، ولا يملك احد في الكون حق الاعتداء على هذه الكرامة ،مهما أوتي من نفوذ و قوة و سلطان ، و من مظاهر الكرامة الادمية التمتع بالحرية ،و امتلاك الارادة المطلقة ،التي تجعله يحمل المعتقد الذي يشاء ، ويدين بما يشاء ، ويفكر بما يشاء ، ويعبر عن افكاره وآرائه و معتقداته بكل الوسائل و الطرق المعروفة لدى البشر، سواء كانت مقروءة او مسموعة او مرئية ،ويسهم في بناء وطنه وخدمة امته بما يستطيع ، وبما آتاه الله من مهارات وقدرات .

من أبشع مراحل التاريخ البشري و أكثرها سوادا و قتامة هي المرحلة الاستعمارية ، التي تجلت بمجيء القوى الغربية و الشرقية لتحتل بلادنا و أرضنا بالقوة و العنف ، و تعمد الى الاستيلاء على المقدرات و نهب الخيرات ، ثم عمدت الى امتهان كرامة الشعوب بمصادرة حقها في العيش ،و ادارة شؤونها بنفسها، و بناء أوطانها بقدراتها، بطريقة همجية ممزوجة بشهوة القتل و التدمير ، و تحركها روح الغطرسة و عقدة التمييز العنصري .

لقد ثارت الشعوب العربية و الاسلامية لكرامتها ، و خاضت معارك دموية طويلة الأمد ، و استطاعت طرد المستعمر بعد أن نشأت الحركات الجهادية و حركات الاحياء الفكري التي تستمد رصيدها من مشروع الأمة الحضاري الكبير ، فكانت الحركة المهدية في السودان ، و الحركة السنوسية في ليبيا و ثورة عمر المختار الشهيرة ، و ابن باديس في الجزائر و عبد الكريم الخطابي في المغرب ،وغيرهم كثير من الذين قادوا حركات التحرر العربي ضد المستعمر.

رحل الاستعمار المادي صاحب الوجه العسكري البشع ، لتقع البلاد العربية فريسة لاستعمار من نوع آخر يتمثل في انظمة قمعية متسلطة ، عمدت الى مصادرة كرامة شعوبها كما فعل المستعمر ، ولم تستطع أن تقود الجماهير الى مرحلة البناء و النهوض و التحضر و الرفاه ، بل على العكس من ذلك أمعنت في تكريس التخلف و العجز و الضعف و التبعية ؛ لتكتشف الشعوب العربية أنها بحاجة الى خوض معركة الكرامة مرة أخرى .

ينبغي أن ندرك أن الاستقلال الحقيقي يعني صون الكرامة و اطلاق الارادة ، و أنه لا وجود للاستقلال بنفي الكرامة ، و لا نهوض و لا اعمار في ظل مصادرة الارادة، و مما ينبغي التوافق عليه أن كل مظاهر العنف التي يشهدها مجتمعنا هي احدى تجليات الشعور بالاهانة وضياع الكرامة،واحدى تجليات عدم اكتمال الاستقلال .

رحيل قوات الاستعمار الاجنبي هو المرحلة الاولى من مراحل الاستقلال ،الذي يحتاج الى اكمال خطوات أخرى عديدة ، منها مرحلة بناء المؤسسات الدستورية للدولة ، ووضع التشريعات الدستورية و القانونية التي تحفظ كرامة الشعب و سيادته ، وتجعله يملك حقوقه الاساسية في اختيار الحكومات و مراقبتها و محاسبتها و استبدالها ، ثم مرحلة النهوض التعليمي و التربوي و الثقافي و الفكري ، و بلورة الهوية الوطنية الجامعة ، و القدرة على استثمار المقدرات بطريقة سليمة ، و لا يكتمل الاستقلال الا ببناء الاقتصاد و الانتاج الذاتي ، و التخلص من كل أساليب التسول على أبواب الدول الغنية ، أو انتظار المنح الخارجية التي تنتقص من حقيقة الاستقلال ، و تخدش كرامة الشعب .

نحن بحاجة إلى أن نحتفل باستقلالنا هذه المرة بعيون كرامتنا وتمام حفظها وصيانتها، و عدم هدرها على أرضنا و في ربوع دولتنا ،عندما نحول دون تحويل الاردن الى ساحة للآخرين ، ونحول دون مصادرة حق الاردنيين ببلورة مشروعهم الوطني المتميز ... اعمارا ... و فكرا ... و فلسفة وهوية... ، بعيدا عن التبعية و التقليد وبعيدا عن الشعارات الفارغة والخالية من المضمون الحقيقي. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات