الجاسوسية الأمريكية: إننا في كل مكان .. ونسعى لمعرفة كل شيء

المدينة نيوز - إن النشاط التجسسي ولد في المجتمع البشري منذ أن بدأت مصالح مجموعاته تتضارب فيما بينها، وأخذ كل طرف فيه يراقب نقاط الضعف والقوة في نشاط غريمه عن بعد، ليتمكن من التسلل إليه وتقويضه وبالتالي القضاء عليه
غادر الجاسوس الأمريكي رايان كريستوفر فوغل موسكو بعد أن نال من وزارة الخارجية الروسية لقب "شخصية غير مرغوب بها" في روسيا، مخلفا وراءه مجموعة من آدوات وإكسسوارات نشاطه التجسسي.
ولم تكن فعلة فوغل تثير الدهشة بجوهرها بقدر ما أدهشت المراقبين بتوقيتها، وزمن الإعلان عنها، والذي جاء بعد أيام معدودة من العناق بين الإدارة الأمريكية بشخص وزير خارجيتها جون كيري والقيادة الروسية على أعلى مستوياتها في موسكو، وبعد أن تم الاتفاق على التعاون في مجموعة من المسائل الدولية ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك التعاون في المجال الأمني والاستخباراتي بين الدولتين.
التجسس السياسي
وفيما لم تكن موسكو راغبة في إثارة الضجة حول أسباب إبعادها السكرتير الثاني للقسم السياسي في السفارة الأمريكية في مطلع هذا العام نتيجة نواياها في تحسين الأجواء مع واشنطن، إلا أنها اضطرت في حادثة فوغل أن تعبر عن امتعاضها من تكرار هذا العمل الضار بالعلاقات الثنائية بين الطرفين، والتي ترغب القيادة الروسية بتعزيزها ودفعها نحو الأمام.
وإذا كان التجسس بين الاتحاد السوفييتي (روسيا – حاليا) والولايات المتحدة الأمريكية في القرن الماضي يدور حول مراقبة نشاطات الخصم في المجالات العلمية والتقنية والعسكرية والاقتصادية إلا أنه في الآونة الأخيرة، أخذت الولايات المتحدة تركز في نشاطها التجسسي ضد روسيا على المجال السياسي في هذا البلد، واشتد هذا التوجه أكثر منذ أن تسلم فلاديمير بوتين قيادة البلاد.
إذ يدخل في مهام القسم السياسي في وكالة الاستخبارات المركزية رصد التطورات السياسية الجارية في روسيا والمشاركة في العديد من الفعاليات السياسية للمعارضة في روسيا ومراقبة المؤتمرات والاجتماعات التي تجريها قوى المعارضة الروسية، فهذا القسم يهتم بشكل خاص بالسياسة المتبعة في روسيا، ويرصد نقاط الضعف فيها وإمكانيات التأثير عليها.
ولم يعد سرا أن الجاسوس رايان كريستوفر فوغل الذي عمل متخفيا بوظيفة سكرتير ثالث للقسم السياسي في السفارة الأمريكية بموسكو جرى إلقاء القبض عليه وهو يقوم بعملية تجنيد رجل مخابرات روسية يعمل في القسم الخاص بمنطقة شمال القوقاس في أجهزة الأمن الفيدرالية الروسية.
فوغل تحت المراقبة منذ وصوله..
وقالت مصادر مطلعة أن فوغل وضع تحت المراقبة فور وصوله الى موسكو. كما ان توجهه للقاء موظف في احدى دوائر الأمن الروسية جرى تحت الرقابة بواسطة أجهزة الرصد الخارجية وكذلك بالوسائل الالكترونية .
وأضافت المصادر أن فوغل غادر السفارة الاميركية متخفيا بباروكة في المقعد الخلفي للسيارة. وبعد ذلك دخلت السيارة الى احدى ورش اصلاح وصيانة السيارات ثم خرج فوغل منها بعد تغيير الباروكة والملابس متوجها الى موضع اللقاء، حيث ألقي القبض عليه، كما تم العثور على أدوات تمويه لديه مثل باروكات الشعر المستعار والنظارات المختلفة وخرائط لمدينة موسكو وبوصلة وقائمة تعليمات وغيرها من الأدوات المستخدة في الرصد، ما يثير الاستغراب بالقيام بعمل تجسسي بواسطة هذه الوسائل التقليدية في عصر الإلكترونيات.
ويبدو أن المهمة الرئيسية في عملية التجسس هي في التمكن من تجنيد العميل السري أو كما يلقب باللغة الروسية "كروت" ومعناه "الخلد" ، وهومصطلح عام يطلق على عنصر سري في دائرة استخبارات ما يقوم بالعمل لصالح استخبارات أجنبية، ما يعتبر نجاحا كبيرا جدا لكل من يتمكن من استمالة شخص من هذا النوع للعمل معه.
أدوات تجسس تقليدية
إن العميل السري في الوقت الحاضر حيث تتوفر الأقمار الصناعية والتقنيات الإلكترونية المتطورة هو أكثر فاعلية في جمع المعلومات من جميع هذه التقنيات فيما لو وظف في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، ويعتبر تسلل العميل إلى داخل استخبارات الخصم نجحا باهرا يكافؤ عليه مدى الحياة لأن مهمته الأولى تنحصر في كشف المتسللين إلى جهازه الاستخباراتي، ما قد يشكل خطرا عليه في المستقبل.
وتقوم أجهزة مكافحة التجسس بالكشف عن الجاسوس وفقا للمهام الملقاة على عاتقه حتى لو استطاع التمويه بشكل جيد فإنه سوف ينكشف خلال سنة أو سنتين. ومن المعروف أن العميل يمضي سنته الأولى بالتعرف على جغرافيا البلد وعلى برامج حياتها السياسية ويسعى لإقامة الصلات مع من يقربه من الهدف النهائي.
ويرى الخبير الروسي سيرغي تيريخوف رجل المخابرات المتقاعد أن الكثير من التساؤولات تدور حول إلقاء القبض على هذا الجاسوس بالرغم من أنه لا شيئ غير عادي في هذا الموضوع وهي عملية من عمليات دائرة مكافحة التجسس التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي. وأن عملية التجسس كانت مكتملة من حيث عناصرها إذ كان هناك رسالة تجنيد وأموال ومحاولة التجنيد بحد ذاتها، وعلمت بها وكالة الاستخبارات المركزية ومكتبها في موسكو أيضا.
وأكد الخبير أن هذه العملية تعيد إلى الأذهان بوسائلها وأدواتها عملية القبض على الجاسوس الأمريكي في 10 آذار 1986 مايكل سيريس، الذي عمل سكرتيرا ثانيا في القسم السياسي في سفارة الولايات المتحدة في موسكو، إلا أنه كان جاسوسا محترفا يعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية مع أحد كوادر لجنة أمن الدولة السوفييتية "كي جي بي"، وقام باللقاء الثالث له مع عميله السري في موسكو حين ألقي القبض عليه.
بعض من تاريخ التجسس بين روسيا وأمريكا
لقد كان في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وخصوصا مكتبها في موسكو الكثير من النجاحات والاخفاقات، بالرغم من أنها تتبنى شعارها المعروف "إننا في كل مكان، ونسعى لمعرفة كل شيئ"، ولكن الأنباء عن هذا التاريخ تدل على أنها مخروقة من الطرف الآخر أيضا، ونذكر أن أنباء وردت من أمريكا في حزيران من العام 2010، عندما قامت الحكومة الأمريكية بإجراء صفقة تبادل للجواسيس مع روسيا مستبدلة عشرة أشخاص متهمين بالتجسس لصالح روسيا، بأربعة أشخاص محكومين بفترات سجن مختلفة في روسيا لإدانتهم بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي نيسان من العام 1964 تم استبدال العميل السري البريطاني غريفيل فين بالعميل السري السوفيتي كونون مولودي، الذي عمل في الغرب بصفة رجل اعمال كندي يدعى غوردن لونسديل.
وتمكن الامريكيون بعد سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية من وضع خطط رامية الى فك شفرة الوثائق السوفيتية السرية، وبالتالي الاطلاع على 2900 برقية دبلوماسية سوفيتية وعندما تعطلت هذه آلتهم "السمكة – السيف" في العام 1948 وفشلت الاستخبارات الأمريكية بمتابعة نشاطها في فك الشيفرات السوفييتية، اعتبر الأمريكيون ذلك نجاحا بارعا للجاسوسية السوفييتية.
وبحسب صوت روسيا ، قامت طائرة " 2 U " الأمريكية باختراق الأجواء السوفييتية للإستطلاع في 1 أيار عام 1960 ولكن جرى إسقاط طائرة التجسس هذه وأسر قائدها الطيار الامريكي غاري باورز الذي هبط بالمظلة وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات لقاء فعل التجسس، ولكن بعد ثلاثة أشهر جرى استبداله بالعميل السري السوفيتي المشهور رودلف آبل (فيليام فيشر) في برلين.
وفي ردة فعل على اعتقال الجاسوس الأمريكي إدمون بوب في نيسان عام 2000 في موسكو، أعلنت الولايات المتحدة عام 2001 عن طرد 46 دبلوماسيا روسيا اتهموا بالتجسس. وردت روسيا بالمثل، بالاضافة إلى أنها أعلنت أربعة أمريكيين أشخاصا غير مرغوب بهم في روسيا.