التفكير الأميركي والموقف السعودي

وفق مبادرة السلام العربية ومن يسعون إلى تطبيقها وهم كل الاطراف العربية فإن التطبيع او فتح الابواب امام علاقات بين الدول العربية وكيان الاحتلال يكون بعد ان تعود الحقوق العربية الى اهلها في فلسطين والجولان ولبنان.
المنطق الذي تسعى إليه الإدارة الاميركية اليوم ويتحدث عنه ميتشل وقبله كلينتون وتمارس من اجله واشنطن بعض الضغوطات هو مطالبة الاطراف العربية بخطوات نحو اسرائيل حتى قبل ان تقبل حكومة الاحتلال بفكرة المبادرة العربية. وهذا يظهر البوصلة الاميركية تخدم المنطق الذي تتحدث به اسرائيل ليس من اليوم بل منذ مؤتمر مدريد العام 1991 عندما كانت مسارات التفاوض الثنائي تسير مع مسار المفاوضات المتعددة، وما ظهر حينها من مؤتمرات شرق اوسطية عقدت في بعض العواصم العربية، لكن كل من يعرف الاحتلال يعلم انهم يريدون علاقات وفتح ابواب مع العرب وكسر الحواجز في علاقاتهم مع العالم العربي من دون ان يعود أي حق الى اهله.
وهنا نجد أن الموقف السليم هو للأشقاء في المملكة العربية السعودية الذين اعلنوا قبل ايام رفضهم للمطالب الاميركية بإقامة أي خطوات تطبيعية تجاه اسرائيل قبل ان تمارس حكومة الاحتلال التزاما وإعادة للحقوق العربية.
هذا الموقف الواضح من دولة عربية كبيرة يحمل رسالة واضحة لأميركا بأن هذا المسار لا يمكن ان يجد نجاحا، لأن المنطق الأميركي يقدم خدمة كبيرة لحكومة نتنياهو ويمرر لها طريقتها في تمييع عملية السلام ويجعل الأطراف العربية هي المسؤولة عن نجاح التسوية ويجعل العرب هم من يجب ان يدفع ثمنا للسلام من دون ان تعود له حقوقه وقبل ان تظهر دولة فلسطينية حقيقية وتعود الارض السورية واللبنانية.
الموقف السعودي الواضح والحازم له تأثيرات إيجابية في تشكيل حالة عربية ضد الضغوط الاميركية، لأن بعض العرب وعبر بعض القيادات تحدثوا بوضوح عبر الإعلام عن ضرورة الاتصال والتواصل مع الإسرائيليين، ووجود موقف عربي واضح من دولة عربية مؤثرة يجعل العرب المندفعين يراجعون حساباتهم ويفقد أي تحرك فردي قيمته السياسية.
البوصلة الاميركية يجب أن تبقى باتجاه حل يعيد للعرب حقوقهم، وبعد ان تلتزم حكومة الاحتلال ما عليها عندها تطالب العرب بتنفيذ ما عليهم من التزامات فرضتها المبادرة العربية، أما أن نبدأ بالحكاية بشكل عكسي ويكون على العرب اثبات حسن النوايا وتقديم المبادرات وإقامة علاقات واتصالات فهذا يعني ان التفكير الأميركي يعاني من خلل في اولوياته، ويحتاج إلى أن يسمع من العرب وقواه الكبرى والمؤثرة رسالة واضحة، وأعتقد أن السعودية ومصر والأردن هم الأقدر على إعادة توجيه مسار التفكير الأميركي.
مرة أخرى، فإن الموقف المعلن والقوي من الأشقاء في السعودية ضروري، لأنه أخرج الامر من حيز الغرف المغلقة إلى تشكيل رأي عام عربي معلنا يحافظ على جوهر المبادرة العربية. وإذا تم فتح الباب لأي تجاوز هنا او هناك فستضيع هذه المبادرة وسيكون اتجاه التسوية كما تريد اسرائيل وعندها نعود إلى الدوامة التي لم نخرج منها منذ مدريد وحتى اليوم.
السلام وسيلة لإعادة الحق العربي، فإذا لم يحقق هذا، فلا ضرورة لأي عملية سلام تدفع الامة مقابلها مزيدا من حقوقها!