عمان بحاجة إلى " قلب مفتوح"

ليس خان الخليلي في القاهرة ولا سوق الحميدية في دمشق ولا الصفارين في بغداد، هو على قدنا؛ سوق البخارية في عمان. ولا يضير عمان أنها ليست في عراقة أخواتها فآخر العنقود قد تفوق في جمالها البكر. وهي بالنسبة للأردنيين عاصمتهم التي تحبهم ويحبونها، وسوق البخارية المحترق واحد من أقدم أسواقها الساكن في ذاكرة الناس ووجدانهم.
يحكي السوق قصة عمان المدينة التي تشبه بيت الشعر بلا أبواب، ليس لها باب الحارة. مشرعة للغريب لا تعرف غير لغة التأهيل والترحيب. والغرباء يألفونها وتألفهم ولا تطول غربتهم ويغدون جزءا من نسيجها المتنوع الزاخر بالألوان. وليس غريبا أن يكون أول أحيائها "المهاجرون" فهي تتسع للبدوي الذي كانت مضاربه في جوارها وللشركسي الآتي من بعيد، وللشامي، والأرمني، والخليلي والنابلسي، والعراقي .. ماذا بعد ؟
;يحق لنا في عمان أن نفاخر بأننا أكثر المدن العربية انفتاحا، وهي قيمة لاتقل عن كونها أنظف العواصم العربية. فذلك الشيخ البخاري الآتي تدشن بسطته قرب المسجد الحسيني سوقا للمدينة في الثلاثينيات. وهي على غرار مدن الفتح الإسلامي بدأت بالمسجد الذي أمر الملك عبدالله ببنائه قبل قصر رغدان بسنتين، ثم توسعت المدينة حسب احتياجات الناس وهجراتهم.
احترق سوق البخارية، وكأنه ينتحر للفت الأنظار إليه بعد طول إهمال. كما في نظرية دوركايم. حرق قلوبنا وهو يشتعل في ساعات ثقيلة. في الغضون كنا نتذكر. تصطحبني الوالدة من جبل الحسين إلى وسط البلد في "سرفيس 9" تبهرك الألوان والأضواء وصخب الأسواق الحية. اليوم تضيع في مصفات "المول" ولا يتذكر أطفالك رقم الموقف. وتحن إلى يوم كنت تنتظر فيه السرفيس.
;وصلناك وأنت رماد يا سوق البخارية، حزنا حقيقة أم افتعالا وأقمنا مراسم العزاء. فهل تنهض كما طائر العنقاء؟ نهوض السوق يعني أننا بدأنا نفكر بشكل صحيح. فالمدن مثل الأفراد لها أوراق ثبوتية. لها روح ولها ذاكرة. وبذلك تتمايز، وإلا فإن لاس فيجاس تكون أهم من باريس.
;على قول ممدوح العبادي عندما كان أمين عمان فإن المدينة نظمها "تجار الأراضي". كان ذلك قبل الفورة العقارية. لذلك تشتتت عمان، وكل عقد أو أقل يقام فيها مركز. في التسعينات كان شارع وصفي التل(الجاردنز) في الألفية الثانية كانت الصويفية ثم عبدون ثم العبدلي. التوسع مطلوب وتخفيف التركيز على وسط المدينة يسهم في حل مشاكل السير والبيئة. ما حصل هو هجران وتخريب لقلب المدينة التي باتت بحاجة إلى عملية قلب مفتوح.
; بعيدا عن مراسم العزاء في سوق البخارية، على أمانة عمان والمجتمع المدني وبالأخص نقابة المهندسين، أن يبدؤوا في برنامج إحياء قلب عمان بدءا من سوق البخارية. نحتاج إلى معماريين مبدعين كراسم بدران وجعفر طوقان وعمار خماش وغيرهم، يعيدون تصميم السوق وكل وسط البلد.
;لنتذكر أن "سوليدير" قلب بيروت اليوم دمرته الحرب الأهلية، والحريري المتأثر بالسوق الخليجية كان يتطلع إلى جرفه وربطه بالبحر المردوم، ولما لقي معارضة عنيدة رممه كما هو الآن. نحن نحتاج إلى اليد الحانية التي ترمم لا اليد القاسية التي تردم.