سهولة مصر وامتناعها!

تم نشره الثلاثاء 02nd تمّوز / يوليو 2013 03:23 صباحاً
سهولة مصر وامتناعها!
خيري منصور

حاورت خلال ثلاثة عقود على الاقل اصدقاء مصريين من مختلف شرائح المجتمع، منهم ساسة وجنرالات متقاعدون وادباء ومفكرون وباعة متجولون وبوابو عمارات بحيث اتاح لي ذلك ان تتشكل لدي رؤية بانورامية عن مجتمع يجسد معمار الاهرام فيه قمة التراتبية وذلك تبعا لفلسفة حديثة ترى في المعمار مدخلا نموذجيا لقراءة الثقافات والتشكلات الاجتماعية.

للوهلة الاولى تبدو مصر كما لو انها ملقاة على السطح، واضحة ومقروءة لكن هذه المقاربة السياحية التي تورط بها الكثير من العرب ليست دقيقة، ولا تصمد طويلا امام مقاربات اعمق، فهذا البلد الاطول عمرا في التاريخ مسكون بالماضي، وفيه ربع الاثار الموجودة في كوكبنا، وهو بالفعل سهل وممتنع، اما السهولة فهي من تزاوج فريد بين التاريخ والجغرافيا ومن خصائص بيئة ذات اثر بالغ على التكوينات النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الناس. فمصر كلها تحتشد على اربعة بالمئة فقط من مساحتها، لان النيل ليس فقط شريان الحياة فيها بل هو من رسم تضاريسها الاجتماعية وقد يلعب دور البطولة في حروب مائية قادمة طالما حذر منها خبراء ومشتغلون في هذا الحقل. والجغرافية ليست صماء او مجرد خرائط صامتة، انها احيانا التاريخ ذاته وقد اصابه التصلب فتحول الى تضاريس، وسبق لعالم الجيوبولتيك الذي مات في شقته في ظروف غامضة د. جمال حمدان ان اصدر العديد من الكتب عن عبقرية المكان، وقدر بعض البلدان الذي تفرضه عليها الجغرافيا.

مصر.. في ازمنة الخضوع القسري والاستنقاع السياسي اضافة الى فائض البطالة والفقر كانت تتيح لمن يكتب عنها ان يتذكر ما قاله عمرو بن العاص عن الناس والتراب لكن وراء الاكمة الصامتة او تحت السطح الهادي لنهر يجري ببطء وعمق من الصخب والمخزون وقابلية العصيان ما يغمر قارة. وما يسميه الفيلسوف هيجل مكر التاريخ يصدق على مصر الى حد كبير لانها تفاجئ المؤرخ والمشاهد بتغيرات عاصفة تقلب الموائد كلها، لان الصبر هو نتاج شقاء معتق منذ الفرعون الاول، لهذا كتب نجيب محفوظ رواية ذات دلالات بالغة العمق في تصوير الشخصية المصرية هي حضرة المحترم وهذه الشخصية من النمط الادخاري الذي يحذف الفارق بين حدود الحياة وحدود الموت.

ومقولة السهل الممتنع التي طالما اقترنت بالادب والتعبير لها تجليات اجتماعية وسياسية، في مصر او غيرها من البلدان.

لهذا كان بؤس القراءات السياحية لبلدان مثل العراق ومصر ناتجا عن الخلط بين السهولة الظاهرة على السطح والامتناع الهاجع في الاعماق! ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات