الاسلاميون والمقاومة والامارة

لا انكر على اي مسلم ان يحلم بقيام دولة اسلامية على هيئة ومثال دولة الخلافة الراشدية التي شكلت نموذجا مثاليا ، فقد تطلع المسلمون على مدى 14 قرنا لاعادة انتاجه ، ولكن ذلك لم يتحقق ، وهو في ظل الاحوال الراهنة للأمة يبدو حلما بعيد المنال ، خاصة عند الذين يرون ان تحقيق هذا الحلم يبدأ بحرب لاسقاط الحضارة الغربية الراهنة وتغيير العالم كمقدمة لاشارة دولة الخلافة الاسلامية التي تحكم هذا العالم.
ولا يخفى ان اقامة امارة اسلامية في زاوية في مخيم نهر البارد في لبنان يستحيل ان تتوسع باتساع حلم تغيير العالم ، كما لا يخفى ان اقامة امارة اسلامية في زاوية في مخيم رفح في قطاع غزة لن تكتب لها الحياة ، ولو كتبت لها الحياة فسيكون حلمها خارج سياق غزة التي تتحشد على قاعدة الصمود والمقاومة والصبر لمواجهة الاحتلال اما انقاذ الامة الاسلامية ومحاربة العالم لتغييره فهو فوق طاقتها.
وكما هو معروف فان كل الحركات الاسلامية المتطرفة لم تقدم يوما اية خدمة للقضية الفلسطينية وهي عند ولادتها قصدت ان تصرف النضال الفلسطيني والعربي عن مجراه في مواجهة العدو الغاصب لتفتح معركة ضد السوفييت في افغانستان في ذلك الوقت الذي كان السوفييت هم السند الرئيسي الداعم للعرب في كفاحهم لتحرير فلسطين.
كنا جميعا نشعر بألم وحزن لمعارك نهر البارد وكل قتيل من الجانبين كان واحدا منا والمعركة ليست في مكانها ، وانحرف فعلا دون ان نبرىء التطرف من المسؤولية ، ونفس الحال فقد احزننا جدا ان يقتل الاخ اخاه في رفح مع ان كل رصاصة يجب ان توجه للعدو ، لكن لا بد من اجتثاث الارهاب خاصة في فلسطين التي لا يملك اهلها ترف الانخراط في امارة اسلامية تعود حربا وهمية عدمية لهزيمة الغرب وحكم العالم.
اوردنا هذه المقدمة لنؤكد ان ما حظي به حزب الله من احترام وتعاطف عربي واسلامي في حرب تموز 2006 كان لانه صوب الصراع في مجراه الطبيعي ضد العدو الصهيوني وسلاحه كما هو معلن له هدف واحد هو العدو ، ولو ان حزب الله اخطأ عندما احتل بيروت لساعات في 7 ايار من العام الماضي وهو امر لا يمكن تبريره ولو انه حمل اشارة واضحة وهي ان حزب الله لو اراد لاستولى على الحكم في لبنان واقامة امارة او جمهورية ولي الفقيه.
ما نريد التأكيد عليه ان حزب الله هو حزب وطني لبناني له صبغة اسلامية وكذلك فان حماس هي حركة وطنية لها صبغة اسلامية وهدفها الاول والاخير كما هو حال حزب الله هو الكفاح في سبيل فلسطين ، وعلى ضوء ذلك فنحن لم نستنتج ان حماس المحاصرة والمستهدفة بحروب واشكال تآمر وحصار وعقوبات لا تدرك ان كل من يحاربونها يريدون لها ان تخلط الهدف الوطني الوحيد وهو مقاومة الاحتلال وازالته وبعد ذلك يمكن الى الالتفات الى صيغة الحكم في فلسطين ، والمفارقة ان تجتث حماس امارة القاعدة في غزة وان تتبع ممارسات داخلية توحي وكأنها تريد ان تقيم امارة اسلامية ، فلا فرض اللباس الشرعي للمحاميات ولا فرض اللباس الشرعي على طالبات المدارس هو اولوية فغزة اصلا مجتمع محافظ واللباس المحتشم للمرأة هو قانون الحياة دون ان يفرض في قانون سلطوي.
خلاصة الامر اننا نحتاج في هذه اللحظة التاريخية الحرجة الى حزب الله كحزب وطني يمثل خط الدفاع الاول والاخير عن هذه الامة وكذلك الامر بشكل مُلًحّ اكثر بالنسبة لحماس .. نحتاج لهذين النموذجين لدورهما العملي كركيزة للنضال الوطني والقومي الاسلامي في سبيل هزيمة طاغوت الاحتلال المدعوم من قبل الاستكبار العالمي التي تعتبر هزيمة الاحتلال البوابة الوحيدة لهزيمتها ، وحتى لو افترضنا حسن نوايا الذين يمارسون اعمال ارهابية فردية غير موجهة لقوى الاحتلال ، واعتقادهم ان تفجيرا هنا او هناك يمكن ان يشكل هزيمة للغرب ولاقامة امارة اسلامية او خلافة اسلامية على أنقاضه هو اعتقاد خيالي وعدمي وظلامي بلا هدف ولا نتيجة.