لماذا فشلنا؟

ما من دولة تريد الاصلاح وتسلم نفسها لشركات العلاقات العامة
27/8/2009
لا تلتقي ناشطا في الشأن العام لا يشعر بالقلق العميق مما يجري في مجتمعنا, قلة من المكابرين والمستفيدين من الوضع القائم تصرّ على دفن رؤوسها في الرمال متجاهلة خطورة الصدمات الاجمتاعية التي تشهدها البلاد من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال, والشعور العام بفقدان الثقة بالمؤسسات والنخب السياسية.
لا اعرف ان كان ما يجري يحظى باهتمام المسؤولين ولا اعني بالاهتمام المتابعة الميدانية والامنية لاحتواء العنف والتوتر فذلك كله مجرد مظاهر لأزمة سياسية عميقة ما اقصده هو هل هناك في مؤسسات الدولة من يخصص جزءا من وقته الثمين للبحث في دلالات ما يحصل وفي جذور الازمات الاجتماعية المتلاحقة, ما اعلمه ان السلطات الرسمية وعلى رأسها مجلس الوزراء, يندر أن يتحدث في السياسة, فالكل مشغول بما هو يومي ووظيفي وما يقتضيه من اجراءات ومتابعات.
اعتقد ان الوقت قد حان لطرح الاسئلة الصعبة او بالأحرى السؤال الصعب: لماذا فشلنا؟
سيرد بعض المتحمسين بعصبية على السؤال ويصدعون رؤوسنا بسيل من الأرقام عن نسب النمو وعدد المدارس والمستشفيات التي شيدت وارقام الصادرات وحجم الاستثمارات واعداد السياح.. الخ من المؤشرات الرقمية للتطور.
لا بأس في ذلك لكن الدولة ليست شركة تقيس النجاح بالنسب والمعدلات الرقمية وحتى في هذه لدينا سجل مقلق مع تفاقم الازمة الاقتصادية وما صاحبها من ركود وتراجع في الايرادات وارتفاع مهول في الدين الداخلي والخارجي.
في التصنيف العالمي للدول الفاشلة لا قيمة للأرقام وانما للسياسات ومدى الرضا العام عليها والشرط الأهم من ذلك مدى الاجماع الوطني المتحقق حول الدولة ومستوى الثقة بالمؤسسات وسيادة القانون ومعايير المساواة بالعدل. في العالم العربي دول غارقة في الثروة لكن شعوبها لا تحترمها.
منذ سنوات واجراس الانذار تقرع في الاردن محذرةمن فشل عملية الاصلاح الشامل كان ذلك بالتحديد منذ منتصف التسعينيات عندما استنكفت الدولة عن مواصلة مشروع الاصلاح الديمقراطي بسلسلة من القوانين التي اعادت الحياة السياسية ومعها المجتمع الى الخلف خطوات وما رافقها من غياب للرقابة والمساءلة وانتشار غير مسبوق للفساد وانهيار قيم الوظيفة العامة وسيطرة ثقافة البزنس بعد ذلك لازم الفشل كل مشاريعنا الاصلاحية. وكان ذلك متوقعا فما من دولة في العالم تريد الاصلاح حقا وتسلم مشروعها لشركات العلاقات العامة ونخب ليبرالية مدعية وفاسدة قالت بملء الفم »ان الدولة تدار مثل الشركة«.
كل ما فعلنا في هذا المضمار كان شكليا مشاريع وافكار زاهية مثل الألعاب النارية وهي تنطلق مضيئة السماء وسرعان ما تختفي من دون ان تترك اثرا.
لم نعط اي اهتمام باستطلاعات الرأي والدراسات التي كانت تشير الى اتساع فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع وامعنّا في سياسات التمييز وانتهاك سيادة القانون وتزوير الانتخابات والانفصال عن الشعب وهمومه متوهمين ان القوة وحدها كفيلة بتوحيد الناس, حدث العكس تماما ففي غياب المؤسسات لاذ الناس الى هوياتهم الفرعية وولاءاتهم الضيقة واحسبوا كم يستطيع البشر ان ينتجوا من هذه الصناعة القاتلة. يكفي قانون الانتخاب ونظام تقسيم الدوائر الانتخابية وحدهما لانتاج الف هوية فرعية في مجتمع يعاني اصلا من ازمة هوية.0