«أقلمة» الحرب في صعدة

تم نشره السبت 29 آب / أغسطس 2009 04:30 صباحاً
«أقلمة» الحرب في صعدة
عريب الرنتاوي

صنعاء تتهم إيران بدعم ما تسميه "التمرد الحوثي" بالمال والسلاح ، والحوثيون يتهمون السعودية بالدخول إلى ساحة "الحرب السادسة" المندلعة منذ ثلاثة أسابيع في مناطقهم الوعرة من بوابة سلاح الطيران والغارات الجوية... وبصرف النظر عن جدوى وجدية هذه الاتهامات المتبادلة ، فإن المواجهة في منطقة صعدة ومحيطها ، تنذر بتحوّل نزاع محلي مفتوح منذ أكثر من خمس سنوات ، إلى نزاع إقليمي النطاق ، وخط تماس جديد متفجر بين العرب والإيرانيين.

أزمة صعدة المتفاقمة ، ما كان لها أن تتصاعد على هذا النحو الخطير والواسع ، لولا تضافر جملة من الظروف والعوامل المحلية والإقليمية ، فما يجري في هذه الرقعة منذ سنوات ، هو صورة عمّا يمكن أن تؤول إليه "الدولة الفاشلة" التي تعجز عن حل نزاعاتها المحلية ، وفرض سلطة الدولة على جميع مناطقها ، والحكم بين الناس بالعدل ، وإن بمعايير الحد الأدنى منه ، وهو نموذج لما يمكن أن تتسبب به دول من هذه الشاكلة والطراز ، من "صداع" لدول الجوار القريب والبعيد ، ومن تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين.

وما يجري في صعدة ما كان له أن يتصاعد على هذا النحو ، لولا وجود إرادة لدى بعض الأطراف الإقليمية لتحويل صعدة خصوصا واليمن عموما ، إلى ساحة أخرى من ساحات المواجهة "وتسوية الحساب" بين بعض العرب وحلفائهم من جهة ، وإيران وبعض حلفائها من جهة ثانية ، لكأنه لا تكفينا الساحات وخطوط التماس القائمة والممتدة من العراق إلى لبنان ، حتى نفتح بأيدينا ساحات جديدة ونشعل خطوط تماس إضافية.

والحقيقة أنه من دون "العامل الإقليمي" ، فإن الصراع في صعدة وحولها وعليها ، ما كان له أن يأخذ هذا المنحى التصعيدي الخطير ، الذي يذكّر إلى حد كبير ، بالطريقة التي اشتعلت بها أزمة دارفور والتي تفاقمت كما هو معروف بفعل التدخل الدولي الكثيف زمن إدارة جورج بوش الابن ومحافظيه الجدد ، لتعود مؤخرا إلى هدوئها وسابق عهدها وإيقاعاتها بعد أن تراجعت النزعة الدولية التدخلية مع مجيء إدارة أوباما وتوجهها للقيام بدور إيجابي في التعامل مع أزمات السودان ، بديلا هم سياسة التجييش وتذخير البنادق.

لقد قدر لليمن ان يكون ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين المعسكرات والمحاور العربية والدولية في القرن الفائت ، وتحولت حرب اليمن في ستينياته إلى عنوان لانفلات المواجهة بين المعسكرين "التقدمي" و"الرجعي" بلغة تلك الأيام ، وها هو التاريخ يعيد نفسه بذات القدر من المأساوية والدموية ، ويتحول اليمن من جديد إلى ساحة مواجهة بين محوري "الاعتدال" و"الممانعة" بلغة هذه الأيام ومسمياتها ، وهي مواجهة يدفع اليمنيون أساسا أثمانها الباهظة من دم أبنائهم ولقمة عيشهم ومستقبلهم وأمنهم ووحدتهم الوطنية.

وثمة ما يدفع متتبعي المشهد اليمني بأزماته المركبة ومسارات حروبه وازماته المتوازية ، إلى الاعتقاد ، بأن "أقلمة" الصراع في "صعدة" هو في جانب منه ، تكتيك وسياسة حكوميان ، هدفهما استجلاب دعم أطراف إقليمية ضد أخرى ، واستنفار قوى محلية ضد أخرى ، فالحديث عن "دور إيراني" في الأزمة ، يستدعي حكما استعجال الدعم السعودي والعربي (المعتدل) ، والتهويل بخطر شيعي زاحف على اليمن ، يستفز السلفية بمختلف مدارسها ، ويحيل أنصارها جنودا متطوعين خلف القوات الحكومية ، ومشاريع انتحاريين في حرب صنعاء على صعدة ، الأمر الذي يوفر للنظام أوراق قوة يمكنه اللعب بها ، في مواجهة هذا الفريق أو لتحييد ذاك ، على أمل أن تنجح لعبة الإمساك بالعصا من منتصفها هذه المرة ، مثلما نجحت في مرات سابقة ، وعلى أمل النجاح هذه المرة أيضا ، في استثمار مخاوف وهواجس المكونات اليمنية والإقليمية المختلفة حيال بعضها البعض ولضرب بعضها بالبعض الآخر ، لكن يبدو أن "الجرة لن تسلم في كل مرة" ، واللعبة التي أريد بها الحفاظ على النظام وضمان إدامته وتوارثه ، تكاد تودي هذه المرة باليمن برمته ، وقى الله اليمن من كل مكروه.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات