بوستروم صحافي شجاع

هناك معركة إعلامية وسياسية بين السويد واسرائيل, معركة لا تجد لها الصدى الكافي في وسائل الاعلام العربية, المنشغلة هذه الايام في »الحب عند عين الماء« وفي بهلوانيات رخيصة اسمها مسلسلات كوميدية.
تبدأ القصة بنشر صحيفة »أفتونبلادت« السويدية, واسعة الانتشار, تحقيقا بالصور للصحافي دونالد بوستروم, أكد فيه, ان الجيش الاسرائيلي يقتل الشباب الفلسطينيين ويفتح صدورهم وبطونهم لاستخراج اعضائهم من اجل المتاجرة بها.
التحقيق اثار غضب اسرائيل وقادتها وشن اعلامها هجوما على السويد متهما اياها مرة بانها »معادية للسامية« ومرة اخرى, ان ما نشر مجرد اكاذيب تريد صحيفة افتونبلادت ابقاءها حية في اوروبا. مثل هذا الموقف من الصحافة الاسرائيلية ليس غريبا, فهي صحافة جُندت لقلب الحقائق التي تسوغ لليهود احتلال فلسطين وتهجير اهلها وقتل شعبها بالجملة في حروب ابادة واحدة بعد اخرى.
ما هو غريب في القصة صمت الصحافة الاوروبية ومنظماتها على ما جاء في التقرير, الموثق بالصور والمقابلات التي اجراها بوستروم, وعلى موقف حكومة اسرائيل ضد حرية الصحافة في السويد.
قبل 3 سنوات عندما نشر الصحافي الدنماركي (فليمنج روز) المحرر الثقافي في احدى صحف بلاده, رسما كاريكاتيريا مسيئا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم هبت الصحافة الاوروبية في حملة تضامن غير مسبوقة مع الصحيفة الدنماركية تحت مزاعم ان الدنمارك بلد ديمقراطي حرية الاعلام فيه مصونة, وان الغضب العربي على الصحيفة ورسام الكاريكاتير يعتبر تعديا على حرية الصحافة.
اليوم نرى صمتا, وتواطؤا من الصحافة الاوروبية, لان الامر يتعلق بادانة اسرائيل, فلم تجد صحيفة »افتونبلادت« اي مظاهر تضامن اوروبي معها, على الاقل بنفس الحجة التي تضامنت فيها مع فليمنج روز. وقبل 3 سنوات سمعنا من روبيرمنيار الامين العام ل¯ (مراسلون بلا حدود): انه يحق للصحيفة ان تكتب ما تشاء ويحق لنا القيام بأي شيء حتى لو كان جارحا بالنسبة للناس.
اين صوت هذه المنظمة اليوم في الدفاع عن الصحيفة السويدية, أم ان (لمراسلين بلا حدود) حدودا عندما يتعلق الامر بالصمت على جرائم اسرائيل!.
وتمتد الانتهازية الاوروبية الى الميدان السياسي, لقد كوفئ رئيس وزراء الدنمارك اندريه راسموسين الذي ساند نشر الكاريكاتير المسيء للنبي عندما قام حلف الناتو بانتخابه اميناً عاماً للحلف, بالمقابل لم يجد رئيس الوزراء السويدي (رينغيلدت) نصيرا له في الصحافة ولا في نادي السياسة الاوروبية, مع انه استخدم نفس حجة راسموسين عندما دافع عن الدستور السويدي وحرية الرأي والصحافة.
مرة اخرى, تكشف قصة دونالد بوستروم, ان الحرية الصحافية والفكرية والثقافية في اوروبا تمتد الى كل شيء عندما يتعلق الامر بالهجوم على العرب والمسلمين, لكنها تقف مشلولة عندما يكون الموضوع جرائم اسرائيل الوحشية, وهو ما ظهر جليا اثناء حرب الابادة التي شنتها القوات الاسرائيلية على قطاع غزة في كانون الماضي.
في اوروبا من يكتب ضد اسرائيل والصهيونية يُعاقب ويُطرد ويُسجن في ظل قوانين بائدة تصلح لزمن محاكم التفتيش. ثم بعد كل هذا نرى بعض الدول الاوروبية تنصب نفسها حارسا على حقوق الانسان وحرية الصحافة في الاردن والعالم العربي تحت عناوين مكاتب التمويل الاجنبي.
واخيرا ادعو نقابة الصحافيين الاردنيين, واتحاد الصحافيين العرب الى اصدار مواقف تضامنية قوية مع صحيفة (أفتو نبلادت) ومع الصحافي بوستروم, والدعوة كذلك الى حملة اعلامية في وسائل الاعلام العربية لمتابعة ما جاء في التقرير, ذلك ان ما ذُكر فيه يعتبر جريمة حرب. كما ادعو الصحافة الاوروبية ومنظمات حقوق الانسان الى التحرك. فقد يكون هناك اكثر من بوستروم لا يخشى قول الحقيقة ويملك ضميرا واخلاقا.0