مدفع رمضان . اشتقت اليك فعلمني الأ اشتاق

تم نشره الأحد 30 آب / أغسطس 2009 12:56 مساءً
مدفع رمضان . اشتقت اليك فعلمني الأ اشتاق
إميـل قسطندي خوري

أنا واحد من ملايين ألناس ألذين يعشقون شهر رمضان ألمبارك وينتظرون مجيئه بفارغ ألصبر. وهذا ليس بالأمر ألغريب لما يحمله هذا ألشهر ألكريم في طيّاته من فضائل كثيرة ومظاهر عديدة كالصيام، ومراجعة ومحاسبة ألنفس لما إقترفته من أخطاء وآثام وذنوب، وألتسامح مع الآخرين، ومساعدة ألفقراء، ومد يد ألعون إلى ألمحتاجين وذوي الإحتياجات ألخاصة، وصلة ألقربى والأرحام، وألتوبة والتعبّد إلى ألله عزّ وجل ("ألاّ تعبدوا إلاّ ألله إنني لكم منه نذير وبشير، وأن إستغفِروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متعاً حسناً إلى أجل مسمّى ويؤتِ كل ذي فضل فضله وإن تولّوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير، إلى ألله مرجعكم وهو على كل شيء قدير" صدق ألله ألعظيم).

 

من مدة قصيرة كنت أنا وزوجتي وإبنتي في زيارة عائلية إلى بيت أختي ألصغرى. وبدأنا نستذكر معاً أيام زمان حين كنا أطفالاً صغاراً. فقالت لي أختي: "يا أللـــــــــــــــه على أيام زمان .. بتتذكر يا إميل لمّا كان ييجي رمضان وإحنا صغار، وكنا نقعد على باب ألدار نستنى صوت ألمدفع"؟! وعندما سمعت كلمة "مدفع" شعرت وكأنني  كنت في غيبوبة طويلة وفجأة صحوت منها. فقلت لها بدهشة ألعائد إلى ألواقع بعد غياب قسريّ عميق: "مزبوط .. أنا فعلاً صارلي زمان ما سمعت صوت مدفع رمضان". ثم تسائلت بإستغراب: "مش كانوا بالزّمانات يضربوا ألمدفع من جبل ألقلعة؟! .. شو إللي صار طيّب؟! .. ليش بطلوا يضربوه"؟!

 

فأجابت أختي بحيرة: " وألله ما أنا عارفة ليش .. يمكن ألسبب إنه مع هالتكنولوجيا ألجديدة (تقصد ألفضائيات والإنترنت والموبايلات) صارت ألناس تسمع صوت الآذان على ألتلفزيون وتعرف إنه حان موعد الإفطار"! فقلت لها بصوت بدت نبرته غريبة بعض ألشيء وكأنني ألقي محاضرة جامعية على طلاب سنة أولى: "إطلاق ألمدفع إيذاناً بحلول موعد الإفطار مش ألمفروض إنه إحنا ننظرله على إنه مجرد عادة أو تقليد يمكن لنا إستبداله بتكنولوجيا حديثة أو بغيرها، لأنه حسب علمي إنه ضرب ألمدفع هوّ جزئية أساسية من منظومة ألتراث ألرمضاني إللي عرفته أجيال كثيرة على مدى قرون طويلة، شأنه شأن أمور ومظاهر أخرى من هذا ألتراث ألشامل مثل ألفوانيس ألرمضانية وأكل ألقطايف وتناول ألتمر قبل بديء الإفطار وألجلوس مع جميع أفراد ألعائلة على مائدة واحدة". وأضفت: "أحنا يا أختي (وألكلام للجميع) بنتكلم عن تراث له أصالته وجذوره ألضاربة في أعماق ألتاريخ، ولسنا بصدد ألحديث عن عادات أو تقاليد قابلة للتغيير أو ألتعديل وفقاً لمعطيات أو لوجستيات واقع ما".

 

ثم إسترسلت قائلاً: "إذا كان ألموضوع متعلق بتغيّرات إجتماعية أو تطوّر حضاري أو تقدّم تكنولوجي، فهل هذا يعني إنه إحنا بنقدر نستبدل أكل التمر بالشوكولاته مثلاً؟! وهل تواجد ألكيك وألحلويات الأخرى (كالبقلاوة وألكنافة وألبرمة مثلاً) يغنينا عن أكل ألقطايف ألتي هي من أكثر ألحلويات شهرة وإرتباطاً وثيقاً بشهر رمضان ألفضيل؟ وهل توافر ألكهرباء يعني إنه إحنا لازم نبطل نشتري فوانيس رمضان إللي بنزيّن فيها مداخل ألبيوت؟! وهل وجود ألعمارات ألضخمة والأبراج ألفارعة يعني أننا لم نعد بحاجة إلى إنشاء ألخيم وألمجالس ألرمضانية ألجميلة"؟

 

ألمسألة في رأيي ألمتواضع أننا نتحدّث هنا عن "تراث رمضاني" ذي قيم جليلة نابعة من ثقافة دينية عظيمة تأصّل عبر الأزمان وألحقب ألتاريخية ألمختلفة في أعماق نفوسنا وفي جذور حياتنا الإجتماعية. ومن هنا فإن هذا ألتراث ألعريق سوف يظلّ أكبر بكثير من أيّة متغيّرات شكلية لهذا ألعصر أو لذاك. فالأصل دائماً يغلب على ألتقليد، كما أن ألمضمون يظلّ أقوى وأعمق من ألشكل وألمظهر.

 

مدفع رمضان هو جزء لا يتجزأ من هذا ألتراث ألرمضاني ألعظيم ألذي له علينا كل ألحق في ألحفاظ على جميع مظاهره ألجميلة وثوابته الأصيلة بما فيها إطلاق (ضرب) ألمدفع للإيذان بحلول موعد الإفطار. وكل عام وسيد ألبلاد ألمفدى حضرة صاحب ألجلالة ألملك عبدالله الثاني إبن ألحسين ألمعظم وألعائلة ألهاشمية ألماجدة وألشعب الأردني الأبيّ ألكريم بألف ألف خير. أعاده ألمولى تعالى علينا جميعاً باليُمن والبركات وألرحمة وألغفران .. ودمتم في رعاية ألله جلّ علاه سالمين هانئين .. وألسلام عليكم ورحمة ألله وبركاته.         

____________________________

 

أ. د. إميل قسطندي خوري

 

مستشار إداري وخبير إقتصادي

 

dekh@myway.com

 

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات