الى اين سيؤول مصير الدولار الاميركي في نهاية المطاف؟ هل يمكن ان تحل عملة دولية مكانه؟

المدينة نيوز- ثمة نقاش مثير للاهتمام دائر الآن حول مصير الدولار الاميركي على المدى البعيد او حتى غير البعيد باعتباره عملة الاحتياطي الاولى لمعاملات المقايضة الاجنبية، وبشكل اكثر اهمية بالنسبة الى الارصدة النقدية للحكومات الوطنية، والشركات العالمية ومنتجي النفط والغاز والمواد الخام الاخرى.
وقد نشرت صحيفة "ذي انترناشنال هيرالد تربيون" مقالا لبول كينيدي، استاذ التاريخ ومدير دراسات الامن الدولية في جامعة ييل الاميركية مؤلف كتاب "نهضة الدول الكبرى وسقوطها"، يقول فيه ان هذا الامر - اي النقاش بشأن مستقبل الدولار - جذب الاهتمام أثناء انعقاد مؤتمر الدول العشرين في لندن خلال نيسان (ابريل) من هذه السنة عندما تلقى صندوق النقد الدولي مخصصات جديدة بمبلغ 250 بليون دولار لحقوق السحب الخاصة.
وقد أثيرت القضية مرة اخرى بعد شهرين في مؤتمر الدول الاربع – البرازيل، روسيا، الهند والصين- في يكاتيرنبيرغ في روسيا اذ اوحى المجتمعون للمعلقين بان ائتلافا من دول ناهضة يمكن ان يؤدي الى وضع "العم سام" في حجمه الحقيقي عن طريق نقل ارصدتها من الدولار الى الوحدات الحسابية لصندوق النقد الدولي.
هذا الحديث كله يمكن تفسيره بصورة عامة بان من الافضل للعالم ان تكون له قاعدة مقايضة نقدية قائمة على اساس "سلة" عملات دولية من نوع ما بدلا من عملة واحدة يمكن ان يؤدي انهيارها بسبب سوء ادارة محلية الى الحاق الدمار بكثير من الناس الابرياء. الم يقترح الاقتصادي الكبير جون ماينارد كينز ايجاد ما دعاه "بانكور" في العام 1944 لغرض تجنب عالم يسيطر عليه الدولار ويلقى حتفه في نهاية الامر بسبب ثقل العبء الثقيل على كتفيه؟
ان هذا الاقتراح كان سيفيد المجتمع الدولي، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة. اذ ما الذي يدعو الـ "تيتان" (العملاق) المرهق لان يترنح تحت وطأة الثقل الهائل لعملته الواحدة؟ لكن واشنطن استخدمت الفيتو ضد مشروع كينز. ان امتلاك العملة الاجنبية الاولى في العالم يولد شعوراً بالارتياح ويمكن المرء من من تسجيل حالات عجز هائل في الميزان التجاري والحساب العام من دون التعرض لعقوبة بسبب ذلك.
ولكن لا شك في ان التفسير الاسوأ لمثل هذه الخطوة نحو وضع نهاية لسيطرة الدولار هو انها خطوة معادية لاميركا. اذ يبدو ان من طبيعة الامور ان تلقى الدول الرئيسة في ادرة شؤون العالم الامتعاض دوما من دول دونها مكانةً حتى وان كانت الهيمنة ناجحة الى حد معقول في توزيع ما يصفه الاقتصاديون بـ"المصالح العامة".
وقد يجد البعض ان دولاراً ضعيفاً هو امر جيد كصفعة توجه الى الولايات المتحدة المتعجرفة، وان بالامكان عرقلة الحصان الفائز. وظلت ازالة تفوق الدلار تفوقاً "غير عادل" كعملة الاحتياطي الاساسية مسألة تداعب نفوس المثقفين الفرنسيين، بل والرؤساء الفرنسيين مثلما تدل السجلات بدءا من ديغول حتى ساركوزي.
فلم اذن لا نؤيد "سلة عملات" اكثر عدلا لتسهيل حركة المقايضة التجارية العالمية، او -كبديل لذلك - محاولة تنظيم التجارة بوساطة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي؟
لقد تبين ان هناك انواعا لا حصر لها من الاسباب التي تؤكد ان حقوق السحب الخاصة لا يمكن في الوقت الحالي ان تعمل كعملة مشتركة – اي كشيء يمكن ان يتحدد بموجبه سعر سيارة "تويوتا" مثلاً او كاوراق نقدية يمكن سحبها من صندوق الصرف الآلي. فعملها بطبيعته يتم ما بين الحكومات وليس مثل ادارات النقد الاجنبي في بنك "باركليز" على الاطلاق.
وقد وقع نظري على مقال غير عادي بعنوان "التفوق العالمي للدولار في حالة ذوبان (1917-2008)" للعالم الايطالي انتونيو موسكوني في مركز اينشتاين للدراسات الدولية. وقد اثار العنوان رغبتي في معرفة مضمونه، وتبين لي انه يقول: ان الدولار الاميركي يعيش حياتين، الاولى كعملة دولة دائنة قوية من عشرينات القرن الماضي الى ستيناته. والثانية كعملة "ائتمان امبراطوري" من السبعينات حتى يومنا الحالي، مع توقع المزيد من عمليات الائتمان الدولية، لسبب بسيط ناشئ عن المبيعات السريعة لسندات الخزينة كل اسبوع.
وفيما يصعب تلخيص بضع جمل لتوصيف موسكوني المذهل والدقيق لاستغلال حكومة الولايات المتحدة طاقة طباعة الاوراق محليا في المسرح المالي الدولي، فان استنتاجه العام واضح لا مجاملة فيه: "هذه الازمة ليست كغيرها، لكنها النبض الاخير لدور الدولار الدولي". وفي وقت من الاوقات في المستقبل فان الكثير من الدول ستتخذ اجراءات لتحاشي ان يكون مصيرها معلقا على القرارات الاحادية للخزينة الاميركية وللبنك المركزي الاميركي. ومن ثم يحدث الذوبان.
لكننا سننتظر لنرى. اذ من الممكن، على ضوء الاضطراب الحالي في اسواق العالم، ان نشهد تحسنا في قيمة مقايضة الدولار بقدر ما يمكن ان نشهد انحداراً مفاجئاً.
وعلى وجه عام فان هذه الدراسات الاكاديمية تحمل بعض المنطق فيها.. فنحن نعيش حاليا في عالم حيث يعيش في دولة واحدة 5 في المائة من سكان الكرة الارضية لكنها تملك حوالي 20 في المائة من ناتج الدخل العام، وتصرف حوالي 50 في المائة من مجموع مصروفاتها الدفاعية وتطبع من دون قيود ما يصل الى 65 – 70 في المائة من احتياطي النقد الاجنبي العالمي.
واذا كان المرء يؤمن بنظرية الاقتصاديين في "التجمع" – أي التقارب بين شركات الانتاج والدخل واقاليمها ودولها – فان النتيجة واضحة: اذ عندما "تتقارب" الصين والهند وجنوب كوريا والبرازيل والمكسيك واندونيسيا، فان الحصة الاميركية من الاشياء ستتقلص نسبيا. وسنشهد في وقت قريب او بعيد نقلة رئيسة اخرى في ميزان القوى العالمي. ذلك ان النقاش هنا يتعلق في واقع الامر بوقت "قريب" أو "بعيد" وليس بما "اذا حصل ذلك".
واعتقد انه حتى على المدى القصير سادقق اكثر في موضوع توزيع محافظ اوراقي المالية الخاصة بي للتاكد عندما ابلغ مرحلة "تذويب حساباتي"، انني قد وصلت في الوقت المناسب وليس متأخرا. وباعتبار انني مؤلف على مستوى دولي، سيسعدني ان اتلقى اجوري وحقوقي بعملات كثيرة، لكي اكون في الجانب الاكثر امانا.