البطالة.. معركة خاسرة

يشير تقرير اعلامي نشرته الـ "سي ان ان" مؤخرا على موقعها الالكتروني ان مشكلة البطالة تزداد تعقيدا في المنطقة العربية التي تحتاج الى ما يقارب الـ 100 مليون وظيفة سنويا بينما معدل النمو الاقتصادي لا يتجاوز الـ 3.5 بالمئة.
ويصف التقرير قضية البطالة العربية بانها قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الحكومات في حالة عدم التصدي لها بشكل جذري.
وتشكل تعقيدات التعليم والتربية وتنظيم أسواق العمل العربية عقبة اساسية تحول دون أن تنجح تلك الحكومات في تحقيق أهدافها في الوقت المناسب ضمن برامج التنمية التي تعدها, وقد ذهب عدد من المسؤولين إلى حد القول بأن دولهم "تخوض معارك خاسرة" في هذا السياق.
في الاردن لدينا امثلة واضحة على هذا الشأن, حيث إن هناك فارقاً كبيراً بين ما تم تعلّمه في المدارس وبين ما تتطلبه أسواق العمل.
ورغم ان معدلات البطالة في المملكة تراوحت بين 2.5 -15 بالمئة خلال الفترة القليلة الماضية, الا ان مظاهرها كثيرة لدرجة ان بعض الاوساط تشكك فعليا بهذه المعدلات وترجح ان البطالة في الاردن تتجاوز الـ 25 بالمئة.
من المعلوم جيدا ان معدل متوسط الاسرة يبلغ 5.4 فرد, وان العمر الوسيط للسكان 20.1 سنة, مما يدلل بوضوح ان المجتمع فتي و60 بالمئة منه تحت سن 25 عاما, وتخرج جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية المختلفة حوالي 88 الف خريج مما يتطلب وجود سوق عمل حيوي نشط قادر على استيعاب تلك الاعداد الكبيرة من الخريجين, وهذا للاسف غير موجود لدى السوق الاردنية.
القطاع العام الذي كان المشغل الرئيسي للعمالة في الاردن بات مشبعا ويعاني من اختلالات جسيمة بسبب عمليات التوظيف الخاطئة البعيدة عن اسس الكفاءة والانتاجية, ورغم ان الدولة تساهم بحوالي 56 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي (ثالث اعلى دولة في العالم بعد اسرائيل والسويد) الا ان قدرتها على التشغيل باتت اليوم - محدودة للغاية - تنحصر في قطاع التعليم والصحة لا اكثر.
اما القطاع الخاص الذي منحته الحكومات اسهمها في جميع الشركات والمؤسسات فقد مارس دورا سلبيا في معالجة مشكلة البطالة, فقد استغنت الشركات الاجنبية المالك الجديد للشركات الاردنية عن آلاف العمال الاردنيين مقابل بعض الامتيازات المالية تحت مظلة اعادة الهيكلة وزيادة الانتاجية وهي في الحقيقة تحت خطة زيادة الارباح واسترجاع الاموال المستثمرة بأسرع وقت ممكن, وهذا ما حدث فعلا.
نشاهد اليوم بعض الاستثمارات الخاصة باقامة المولات الضخمة التي تم السماح باقامتها في ظروف استثنائية خاصة وجود عمالة آسيوية تعمل في تلك الاماكن رغم ان الاردنيين يعملون فيها منذ سنوات وفي اماكن مختلفة سواء كانت في الداخل أم في الخارج, لكن يبدو ان مسألة رخص العمالة الاجنبية تدفع بمستثمري المولات الى استقدامهم, وهنا تقع المسؤولية على الجهات المعنية بتنظيم سوق العمل واعطاء الاولوية للاردنيين.
كثيرة هي الدول التي تربط بين منح الحوافز والتسهيلات للمستثمرين وبين التزامهم بتشغيل وتوظيف ابناء البلد, فالهدف النهائي للاستثمار بالنسبة للحكومة هو التشغيل وتحقيق التنمية ومحاربة الفقر والبطالة, لا ان يأخذ امتيازات وحوافز ويستعين بعمالة اجنبية ويقوم بتحويل ارباحه للخارج , ويكون المردود على البلد بعض الاعانات والصدقات للمجتمع المحلي, وحتى تتم محاربة البطالة ومعالجتها جذريا يجب ان يكون هناك تنسيق عالي المستوى بين اجهزة الدولة والمستثمرين من جهة ورفع سوية التعليم وربطه باحتياجات السوق من جهة اخرى, والا ستبقى جهود مكافحة البطالة مبعثرة وستخوض الحكومات المتعاقبة معارك خاسرة اذا لم تتم المعالجة ضمن استراتيجية شاملة تعتني في الموضوع وتعالجه جذريا.0