السياسة الاردنية تخسر المعركة الاعلامية مع اسرائيل

التكتم على الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في الطرفين يجلب الشبهات
(5/9/2009)
لو لم تكشف صحيفة يديعوت احرانوت نبأ الزيارة السرية لرئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي عوزي اراد الى عمان لبقيت تفاصيلها محجوبة عن الرأي العام الاردني والمهتمين في الاقليم, وربما لن نعلم عنها الا بعد ان يحال اراد للتقاعد ويكتب مذكراته. الصحافي الاردني لا يقل كفاءة ومهنية عن الاسرائيلي وبوسعه ان يقدم اداء رفيعاً ومقنعاً للرأي العام عندما تتوفر المعلومات بين يديه. ليست شطارة صحافي في يديعوت احرانوت هي التي مكنت الصحيفة من كشف خبر الزيارة, وانما قناعة المسؤول الاسرائيلي بأن لا قيمه لعمله السياسي والدبلوماسي من دون تغطية اعلامية.
وفي علم الاعلام والصحافة من يسبق في نشر الخبر تكون لروايته الحظ الاوفر من الانتشار والتصديق ايضاً.
في مضمار السباق الاعلامي مع اسرائيل فشلنا على الدوام فما من زيارة »سرية« لمسؤول اردني الى اسرائيل او العكس الا ووجدت طريقها في اليوم التالي لوسائل الاعلام الاسرائيلية.
يذكر وزير خارجية سابق انه قام بزيارة الى اسرائيل قبل سنوات واتفق معهم على عدم الاعلان عنها في وسائل الاعلام وعند دخوله الى مبنى رئاسة الحكومة الاسرائيلية من باب جانبي وفي ساعة متأخرة صادف في طريقه مسؤول اسرائيلي يعدونه صديقا لا يمكن ان يفشي نبأ الزيارة لكن الوزير الاردني وما ان عاد الى عمان حتى كان الخبر يسبقه على القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي.
تكرر هذا الامر في زيارات لمسؤولين ارفع وسببت في حينه احراجا للاردن ورغم ذلك لم نتعلم الدرس وما زلنا نثق بوعود المسؤولين الاسرائيليين اكثر من ثقتنا بانفسنا وباعلامنا..
في زيارة عوزي اراد الاخيرة سادت الرواية الاسرائيلية في كل وسائل الاعلام العالمية وكان من الصعب دفعها في اليوم التالي لان وكالات الانباء ومحطات التلفزة غير مستعدة لاضاعة وقتها الثمين في متابعة خبر مرّ عليه اكثر من 24 ساعة..
لغاية الان لا يدرك المسؤول الاردني اهمية الاعلام في نشاطه الدبلوماسي. ما زال الاسرائيليون يجيدون اللعبة افضل منا ويظهرون بأنهم الاكثر احتراما للرأي العام وحقه في معرفة الحقيقة. بينما تجلب لنا سياسة التكتم على العلاقة مع اسرائيل الشبهة لاننا نحاول دائما اخفاء تفاصيلها عن الناس. ولا يمر يوم من دون ان تنشر وسائل الاعلام الاسرائيلي خبرا يتعلق بالاردن وعلاقته مع اسرائيل. الرد الرسمي ان توفر يكون النفي في العادة. ثم نكتشف بعد حين ان معظم الاخبار عن الاردن في وسائل الاعلام الاسرائيلية صحيحة..
ولا يقتصر الفشل الرسمي الاردني على العلاقة الثنائية مع اسرائيل وانما يتعداه ليطال اسلوب ادارتنا الاعلامية لمجمل نشاطنا السياسي والدبلوماسي . وزيارة نتنياهو الاخيرة الى اوروبا ترافقت مع حملة اعلامية ضخمة وحضور كبير في وسائل الاعلام الاوروبية حتى وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان الشخصية المكروهة في العالم تمكن من توظيف وسائل الاعلام لتلميع صورته وصورة حكومته خلال جولته قبل اسابيع في امريكا اللاتينية. في المقابل لم نكن في وسائل الاعلام نعرف عن الجولة الاخيرة لوزير الخارجية ناصر جودة في عدة دول اوروبية الا بمحض الصدفة. المسؤولية لا تقع على الدوائر الاعلامية في وزارتنا ومؤسساتنا وانما على المسؤول ذاته الذي يتصرف وكأنه عضو في تنظيم سري يبقي نشاطه دائما طي الكتمان, الامر الذي يجعل من سلوكه مصدر شك وريبة وبذلك تخسر السياسة الرسمية ثقة الناس وتثار حولها الاسئلة والشكوك.