نحو مشروع سياسي وطني

ما أدعو إليه بوضوح أن تكون القوى والأحزاب السياسية في الأردن قادرة على اجتراح مشروع سياسي وطني واضح، برؤيته وأهدافه ومضامينه، يخص الأردن أرضا وشعبا وواقعا ومستقبلا، يصلح للحوار مع كل الأطراف الداخلية المعنية، حكومة ومعارضة، وصحافة، ومؤسسات مجتمع وطني، من أجل خلق أرضية صلبة للحوار الجدي، الذي ينظره المواطن والناخب ودافع الضرائب، ويمكن استعراض ركائز هذا المشروع باختصار: * الأردن دولة مستقلة معتبرة، وأرض الأردن أرض مباركة مقدسة، تستحق التضحية بالغالي والنفيس، وتستطيع أن تلعب دورا سياسيا محوريا في الإقليم والمنطقة، فهي ليست ساحة لأحد، وليست حديقة خلفية لدولة أو تنظيم. تمتلك الموقع والأدوات والقوة الكافية التي تمكنها للدفاع عن نفسها دون تبعية أو استخذاء.
* الشعب الأردني شعب أصيل ينتمي لعروبته بعمق كبير لا حدود له، وينتمي لأمة الإسلام انتماء جذريا أصيلا، يتفاعل مع قضايا الأمة بشكل متقدم ولافت للنظر ومتميز بوضوح، سواء مع القضية الفلسطينية أو العراقية، أو الأفغانية، أو الشيشانية، أو قضية البوسنة والهرسك، ولقد سمعت أحد المواطنين العراقيين يقول إبان الحصار الدولي المفروض على العراق:''لقد كان الرغيف الأردني يصلنا ساخنا''، ولن ينسى أحد تضحيات الأردنيين ودماءهم على أبواب القدس وسهول جنين وغيرها، ولن يتعامى احد عن تضحيات الأردن في أرض الأفغان وغيرها كذلك.. الشعب الأردني شعب مثقف وذو مستوى تعليمي عالي متميز، فهو قادر على صياغة مستقبله وحماية أرضه ووطنه وتقرير مصيره.
* الأردن مهدد من عدة أخطار، لكن الخطر الأكبر والداهم وهو الأول في حالة السلم والحرب هو الخطر الصهيوني التوسعي، ومن هنا فإن الأردنيين جميعا بغض النظر عن الأصل والمنبت، معنيون بالانخراط الشامل في مواجهة هذا الخطر، والانخراط في مواجهة هذا الخطر تصنع الوحدة الوطنية الداخلية الحقيقية، وتسمو بهم عن الخلافات الجهوية والإقليمية.
* الأردنيون جميعا بغض النظر عن الأصل والمنبت معنيون بالانخراط والتوحد من أجل بناء الأردن القوي الناهض المتحضر الآمن المستقر والديمقراطي المزدهر، لأن الأردن المستقر الآمن القوي هو الذي يستطيع أن يقف في وجه الأخطار أولا، كما يستطيع أن يقدم الدعم والإسناد إلى قضايا أمته وأشقائه بكفاءة واقتدار ثانيا.
* الأردن يشكل بوابة العالم العربي والإسلام، كان سابقا وسيبقى مستقبلا أرضا للحشد والرباط، وخندقا حصينا متقدما لأمته العربية والإسلامية، ومن هنا فإن المشروع الوطني الأردني لا يتعارض ولا يتناقض مع مشروع الأمة وقضاياها المركزية بل يتحد ويتعاضد ويتعاون ويتحالف مع كل المشاريع العربية الطموحة الفاعلة والمخلصة على الأرض وفي الميدان بالقول والفعل.
* هذه البوابة يجب أن تبقى حصينة، وعصية على الاختراق، بفضل قوة أبنائها ووحدتهم، وبفضل دعم كل دول العالم العربي والإسلامي، لأن الأردن يستمد منهم عمقه الاستراتيجي، ويستند إلى الجدار العربي الإسلامي القوي المنيع، الذي يمنحه البعد الحضاري والقوة المعنوية والمادية، والدعم لا يكون بالاختراق ولا بالتبعية ولا بالهيمنة ولا بمنطق الاستضعاف، وإنما بمنطق الإخوة، والتحالف المتوازي الذي يقوم على الثقة والاحترام المتبادل.
* الشعب الأردني تواق للوحدة، ويتوق لكل صيغ التقارب والتعاون على الطريق المتدرج والهادئ نحو تحقيق الحد الأدنى من الوحدة العربية ومن ثم الإسلامية الكبرى، الكفيلة باستئناف المشروع الحضاري الإسلامي الكبير، الذي يحمي الحقوق ويحرس الحدود، وينشر الخير ويعمم الرفاه على كل أمم الأرض بعدالة حقيقية وسلم عالمي حقيقي.
أما بخصوص مشروع حماس، ولمزيد من الوضوح، فنحن جميعا نساند وندعم بكل ما نملك مشروع حماس في مقاومة الاحتلال على أرض فلسطين، ونحن مستعدون لتقديم الأرواح قبل الأموال من أجل تحرير فلسطين دون منة، فهذا واجب عقدي وواجب وطني، لأن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الأردن وعن الأمة كلها، لكن في الوقت نفسه نرفض المتاجرة والاستثمار الرخيص بدماء الشهداء وتضحياتهم لتحصيل مكاسب رخيصة وأغراض فئوية والذين ينصبون أنفسهم أوصياء على قميص حماس ويبيعون ويشترون باسم حماس على الأرض الأردنية، فهذا أمر يرفضه الشعب الأردني ويرفض أن يقسم إلى فئتين فئة تؤيد حماس وفئة تعارض حماس، وهذا التقسيم يسيء إلى الوحدة الوطنية ويسيء إلى مشروع حماس كذلك، وهو أمر مرفوض من جميع الشرفاء والمخلصين.