الجميع يربح من الصفقة عدا الشعب السوري

تم نشره السبت 14 أيلول / سبتمبر 2013 12:12 صباحاً
الجميع يربح من الصفقة عدا الشعب السوري
باتر محمد علي وردم

ستدخل الصفقة الأميركية-الروسية تاريخ العلاقات الدبلوماسية في العالم باعتبارها أنموذجا على اتفاق سياسي في لحظة أزمة دولية تمكن من “إراحة” كافة الأطراف المشاركة في الأزمة باستثناء طرف واحد وهو الشعب الذي يدفع منذ اليوم الأول الثمن الأكبر للصراع. سواء كانت زلة لسان من جون كيري أو فكرة تم “طبخها” في أروقة مؤتمر العشرين الكبار فإن هذه الصفقة كانت العلاج السحري لحالة مستعصية من الصراع السياسي والصراع على النفوذ والإرادة. تسليم سوريا لسلاحها الكيماوي لما يسمى “المجتمع الدولي” كمخرج لإزالة خيار الضربة العسكرية هو المفتاح السحري الذي جعل خمسة أطراف رئيسة تربح كل شيء.

الولايات المتحدة وإدارة أوباما تمكنت من تجنب الانغماس في مستنقع الصراع في سوريا مع الحفاظ على “صورة”الرئيس الأميركي أمام العالم وتهديده بان استخدام السلاح الكيماوي هو “خط أحمر”. بعد سقوط الدعم البريطاني نتيجة التصويت في البرلمان وتزايد ردود الفعل الدولية الرافضة للخيار العسكري جاءت الصفقة لتجعل الإدارة الأميركية تتعامل مع الهدف الرئيس لها وهو السيطرة على الأسلحة الكيماوية في سوريا وعدم وصولها إلى يد التنظيمات المتشددة المعارضة أو حزب الله الذي لن يكتفي بالاحتفاظ بحق الرد كما النظام السوري بل قد يستخدمها فعلا ضد إسرائيل.
روسيا تمكنت من حماية حليفها بشار الأسد وفي نفس الوقت فردت عضلاتها في المنطقة وأثبتت بأنها قوة لا يستهان بها وأنها لن تسمح لواشنطن بتنفيذ الأمور على طريقتها هذه المرة. موسكو أكدت للجميع بأن اي خطوة يتم اتخاذها في المسار السوري لن تمر من دون موافقتها. إسرائيل اطمئنت نسبيا بأنها لن تتعرض يوما ما للاسلحة الكيماوية السورية في حال كان التفتيش والتسليم دقيقا بعد أن كان الخوف الأكبر طوال فترة الصراع هي تسرب كميات من مخزون يبلغ ألف طن من مادة السارين إلى ايادي تنظيمات جهادية أو حزب الله. إسرائيل لا توجد لديها مشكلة في بقاء الأسلحة مع النظام السوري الذي يحتفظ دائما بحق الرد ولا يرد.

النظام السوري أنقذ رأسه بهذه الصفقة. لا توجد لديه مشكلة في تسليم اي نوع من الأسلحة أو المماطلة في ذلك وكسب المزيد من الوقت من أجل البقاء في الحكم من أجل العائلة والعصابة والطائفة والمافيا التي تحكم سوريا منذ 40 سنة وتخوض معركة البقاء ضد شعبها. أنصار النظام السوري سعيدون ايضا إذْ يمكن لهم “التشبيح” قليلا بتراجع واشنطن عن ضرب “نظام الممانعة والصمود” وتأثير سوريا على العالم وكسر الإرادة الصهيو-أميركية.

في هذه المعادلة المشتركة من الربح لا يوجد إلا الشعب السوري ليدفع الثمن. محصورا ما بين نظام وحشي لا توجد لديه حدود وموانع أخلاقية في التدمير والقتل وما بين تنظيمات معارضة تحاول فرض نوعية جديدة من الحياة البائسة يبقى الشعب السوري بلا أمل في الخروج من هذه الحالة الرهيبة من الضياع ودائرة العنف وفقدان المستقبل. لا النظام يرحمه ولا المعارضة تحترمه ولا المجتمع الدولي يكترث بشأنه.

جهات كثيرة في العالم وقفت ضد الضربة الأميركية لنظام الأسد لاسباب أخلاقية بنسبة بسيطة ولدعم النظام المجرم بنسبة أكبر. مَنْ منهم سيقف الآن بشكل جاد ليطالب النظام بوقف جرائمه ضد شعبه؟ من أوقف “العدوان الخارجي” هل سيعمل على ايقاف العدوان الداخلي المستمر منذ سنتين ونصف السنة؟ اشك في ذلك.

( المصدر : الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات