القتل لا يعطي الطمأنينة !

عاما بعد عام، وعقدا بعد عقد، وقرنا بعد قرن، ستظل البشرية تتوقف أمام السنوات العشر الاولى من الالفية الثالثة، حيث قرر الاقوياء أن القتل هو الوسيلة المناسبة والوحيدة للتعامل مع الضعفاء وان الأمن والطمأنينة واحترام حق الاخر وبناء الديموقراطية انما تتحقق مجتمعة بالقدرة اللاخلاقية على ذبح الاخرين، وبالقوة العمياء القادرة على الفتك بهم وابادتهم، دون التوقف لحظة واحد امام تجارب بلا عدد، تؤكد ان انتهاء رحلة الصيد وفناء المستهدفين بالموت وبقاء أكوام من الرصاص غير المستعمل يفتح الباب امام الصيادين لتبادل الموت.
حدث هذا بعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام وعودة مقاتلين مهزومين من غابات هذا البلد العظيم وبدء حرب أهلية لا يوفر فيها هؤلاء المقاتلون زوجاتهم وابناءهم وجيرانهم وزملاءهم ومواطنيهم في المكاتب والشوارع، وبدأت الان هذه العملية السوداء وخاصة في امريكا مع عودة آلاف وعشرات الالاف من الجنود الذين مارسوا القتل في الصومال وفي افغانستان وفي العراق، وترسخت هذه الهواية في صدورهم وعقولهم مع امراضهم النفسية، ولا بد ان يجدوا انفسهم مضطرين للاستمرار في ممارسة الهواية في وطنهم وبين مواطنيهم.
في 11 سبتمبر - أيلول - وجه اعداء واشنطن ضربتين قاسيتين لرمزي قوتها الاقتصادية وقوتها الحربية، في قصف مقر وزارة الدفاع في واشنطن ونسف مركزي التجارة العالمية في نيويورك، وبدلا من الوقوف مع الرماد وجثث القتلى وسحب الدخان والبحث عن المسبب، جاء قرار الولايات المتحدة بقتل الف عدو في مقابل قتل ثلاثة آلاف اميركي، وتؤكد الارقام ان ضحايا غزو افغانستان والعراق بلغ ثلاثة ملايين انسان، ولكن الثأر الاسود لم يؤخذ بعد، والخلاف في الولايات المتحدة وحلفائها من اعداء العرب والمسلمين ليس على الهدف وهو قتل المزيد وانما على الوسيلة والاداة.
والسؤال: هل استعادت الولايات المتحدة ما اعتقدت انها فقدته من هيبتها بعد اعوام من مواصلة حربها على الشعب الافغاني، وبعد اعوام من استمرار عدوانها على الشعب العراقي، الاجابة بالتأكيد لا، وفي علم النفس الاجتماعي فان ما يحققه التسامح من قوة وهيبة هو اضعاف ما يمكن ان يحققه القتل والثأر، فالتسامح يمنحك الاحساس بالقوة النظيفة، بينما الانتقام يجعل منك معلما نشطا في تعليم وتربية ابناء واحفاد القتلى على الحقد والثأر والانتقام، وهذه هي اسلحة الدمار الشامل التي لا يمكن ابطال مفعولها بالدبابات والصواريخ والبوارج والمشاة والاستخبارات والحصار والتجويع، والحرب على الشعوب هي حرب الساسة وليس حرب الشعب، لهذا تصاعدت وتتصاعد ارقام الرافضين لبقاء مئات الآلاف من الجنود الاميركيين والاوروبيين وحلفائهما للاستمرار في الغزو والعدوان وتكبد المزيد من اعمال القتل والارهاب والتدمير والابادة.
عندما انهار البرجان في نيويورك، وتم تدمير جزء من وزارة الدفاع الاميركية في واشنطن، بدأت حرب تشويه وحرب تعذيب وحرب مطاردة وحرب قهر ضد الاسلاميين، لكننا نجد انه خلال اقل من عشرة اعوام، يجد الغرب كله نفسه في مواجهة ما يعتبره اخطر اعدائه وهو الاسلام فالاوربيون والاميركيون يتحدثون بخوف وربما برعب عن ان الاسلام يدق على ابوابهم وان الداخلين فيه يتضاعفون مع كل تصعيد ضده ومع كل وقوف لاميركي او اوروبي مع حقيقة ان الحملة على الاسلام وعلى المسلمين تقوم على سلسلة من الاكاذيب تكشف نفسها بنفسها رغم ضخامة الماكنة الدعائية والاعلامية، وعندما يعلن في بريطانيا ان اسم ''محمد'' هو ثالث اسم في الانتشار بين ابناء البريطانيين وانه قد يحتل المرتبة الاولى خلال سنوات قليلة، وعندما يبدأ حديث الاوروبيين عن اوروبا مسلمة خلال قرون، وعندما يأخذ بعض هؤلاء وبعض اولئك بارسال اطفالهم الى المدارس الاسلامية، فانهم يعلنون صراحة ان مجتمعاتهم فاسدة وانهم في حاجة الى تربية ابنائهم تربية انسانية تحميهم من الانحراف واليأس والانتحار والجرائم.
واليوم سواء في اميركا او اوروبا، يظل القادة العسكريون يتحدثون عن حربهم الطويلة ضد الارهاب، ودون ان يقدموا للمجتمع الدولي تعريفا لهذا الارهاب، ثم اذا ارسلوا الى التقاعد بدأوا بتأليف الكتب والكتابة في الصحف والقاء المحاضرات عن حرب تخاض ضد اشباح، وعن جهد يبذل بصورة مباشرة وغير مباشرة لملء صدور الشعوب وعقولهم وقلوبهم بالكراهية والحقد والاستعداد لشراء الجنة مقابل حفنة دم تسيلها رصاصة او شظية او طائرة او مدفع، وهو ما يعرفه كل اعداء الشعوب ولكنهم يرفضون عنادا وغطرسة وغرورا الوقوف معه، وجعل المحبة بين الناس قادرة على محاصرة القتلة، ومنعهم من غزو الاخرين وقتلهم والسعي الى اذلالهم.
kmahadin@hotmail.com.