وماذا عن"الوطن العبّارة" ؟

ما الفرق بين مأساة "عبارة الموت" في بحر إندونيسيا وبين "الوطن العبّارة" الذي يغرق رويداً رويداً في بحر الإهمال والفوضى، جارفاً معه الى أعماق البؤس ما تبقى من ابنائه اللبنانيين التعساء، اضافة الى ما تدفق ويتدفق اليه من اللاجئين السوريين وقبلهم الفلسطينيين، وبعدهم هذا الخليط من الطارئين الحالمين بلقمة عيش لم يوفّرها لهم سوى هذا البلد السائب، فتسللوا اليه آمنين كما يدخل المرء كرماً سائباً على درب، لكنها الدرب التي لن تلبث ان تقوده وتقودهم الى القاع؟
قبل ان تنهي موفدة البنك الدولي إنغر اندرسن محادثاتها مع المسؤولين اللبنانيين [مسؤولون؟] للبحث في دعم هذا البلد الذي ينوء بأهله قبل ان يقفز اليه هذا العدد المخيف من اللاجئين، كان قد عبر الى لبنان من الحدود السائبة عدد اضافي من الهاربين من الجحيم السوري، أشك كثيراً في ان تتمكن جولتها الميمونة، اضافة طبعاً الى التحركات الأخيرة لدولتنا المصونة [ولست ادري من الذي عطس فأيقظها من سبات طويل] من ان تؤمن لهم ما يحتاجونه من الأرغفة والأغطية والبلد يتقدم الى حافة الافلاس والجوعة ونحن على عتبة شتاء وصقيع... وماذا سيفعل غداً اولئك الذين يقيمون في عراء الزمهرير والبراري؟
إيّاك ان تتخيّل، فالاحتمالات مقلقة وليس من مسؤول!
عبّارة مليونية مشلّعة تملؤها الثقوب، بلا ربّان او شراع، تائهة وضائعة تتقاذفها الأمواج والأخطار، بحّارتها غارقون في صراع ديوك على ايقاعات آذارية ومذهبية وطاووسية وحمقاء، وهي تنوء بأكثر من اربعة ملايين انسان من ابناء هذا "الشعب العنيد"[شعب؟] الذين علقوا فيها فلم يفرّوا، او انهم يرفضون الفرار، اضافة الى مليون و300 الف لاجئ سوري وحبل اللجوء جرّار، اضافة أيضاً الى نصف مليون على الأقل ممن صدّرتهم الينا تجارة الهجرة التي نظمها الاحتلال السوري للبلد... نعم هذا هو لبنان الذي يربتون على أكتافه في المحافل الدولية ويغرقونه بالوعود وفي دراسات طويلة ومملة وباردة حول كيفية مساعدته، ولن تنتهي الى نتيجة قبل ان تبلغ العبّارة القاع.
بداية السنة حضرت قمة المانحين في الكويت، يومها قال لي احد معاوني بان كي – مون إن عدد اللاجئين السوريين عندنا سيصل نهاية الصيف الى مليون ونصف، وإن لبنان لا يجيد الصراخ وطرح هذه القضية الخطيرة التي تهدد كيانه وقد تنسف نسيجه الديموغرافي على العالم. والآن اذا كان هناك في حطام الدولة اللبنانية البائسة من بدأ يتحرك، فقد تحرك متأخراً جداً، فاذا كانت 17 دولة من أصل 138 لم تقبل إستضافة اكثر من 10 آلاف لاجئ سوري، فهل كثير اذا قلت وبكثير من الألم إن لبنان ليس وطناً بل عبّارة غارقة تتقاذفها الأمواج؟
( النهار اللبنانية 10-6-2013 )