«زمزم» بين النقد والمناصحة

لقد تلقيت سيلاً وافراً من الاتصلات على مدار الأيام السابقة التي أعقبت إشهار المبادرة، تحمل معاني الدعم والمساندة، وإبداء الاقتراحات والمناصحات، وآخرون يبدون استعدادهم للمشاركة، وآخرون يستفسرون ويستوضحون عن المآلات المستقبلية، وعن العلاقة مع مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وفي مقابل ذلك هناك عدد لا بأس به من الانتقادات، التي صدرت عن أخوة محبين، وأصدقاء مشفقين، وبعضهم عبر عن هذا اللون من الرأي في الصحف والمواقع الإلكترونية، وهي تتفاوت من حيث قسوة الإتهامات، وغلاظة القول من جهة وبين الرفق واللين وحسن العبارة ووعمق التحليل من جهة أخرى.
أود أن أعبر عن شكري، وشكر كل القائمين على المبادرة لكل المتفاعلين معها، سلباً، أو إيجاباً، وأخص بالشكر اولئك الذين التقطوا الرسالة بذكاء، ووقفوا على الأهداف والغايات وبحثوا في المضامين، واستطاعوا استشفاف الأسرار بروح علمية، ومنهجية موضوعية مفيدة.
وفي هذا المقام أود أن اشير بوضوح إلى أن الأغلبية العظمى من الانتقادات، وخاصة القاسية منها، لم تتناول المضامين، ولم تبحث في الأفكار، ولم تجد ضالتها فيما أُعلن عنه من رؤية ورسالة وأهداف عامة ومسارات وسياسات ومرتكزات، وكنت أود فعلاً أن يكون الحوار والنقد منصباً على ما تم طرحه من أفكار ومضامين من أجل تحقيق الفائدة في مزيد من التطوير والإنضاج والاستدراك؛ لأن المبادرة هي مجرد اجتهاد يعتوره النقص بكل تأكيد.
ارتكز أصحاب النقد وعلى مسألتين موغلتين في السطحية والشكلية وهما :
الأولى تتجلى في حضور دولة رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، ودولة رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت، وبعضهم انتقد حضور المهندس سمير الحباشنة الوزير السابق أيضاً، وهنا أود تجلية هذه المسألة بالقول: إن المبادرة تهدف ابتداءً إلى البحث عن مساحات الاتفاق، وإعادة تصويب الأنظار على الثوابت والمصالح العليا التي تشكل مرجعية للاختلاف، وتشكل أرضية صلبة للانطلاق نحو محاور النقاش وآفاق العمل المشترك، لكل الأطراف بلا استثناء، ودون إقصاء لأي جهة أو قوة فاعلة ومؤثرة على الساحة الأردنية، والتي تمثلث بالإطار الحضاري الإسلامي الكبير الذي يعد مصدراً للهوية الثقافية والمرجعية القيمية لكل المجتمع بكل أطيافه، وبعد ذلك الاتفاق على الدولة والهوية والأمن والاستقرار، والأُخرى تتمثل بالاتفاق على طرق الإصلاح السلمي الحضاري ونبذ العنف واستخدام القوة، ومن ثم الحوار المتكافئ دون وصاية أو هيمنة من أي طرف.
أعتقد أن حضور هذه الشخصيات التي تمثل العقل الرسمي، يعد نجاحاً للمبادرة، في ظل موافقتهم على هذا الطرح وهذه المضامين، التي لا تختلف عليها المعارضة بكل أطيافها، ولذلك يجب الوقوف على الدلالات المقصودة، قبل الاستغراق في البحث في القضايا الخلافية، مع الأشخاص وأفكارهم ومواقفهم التفصيلية.
المسألة الثانية التي تم توجيه النقد إليها، تتعلق بمكان الإشهار وهو المركز الثقافي الملكي، وهو مكان شبه حكومي أو رسمي، كما يقول الناقدون، وأعتقد أن هذه الملاحظة تستحق المعالجة، لأن الناقدين أنفسهم استعملوا أماكن حكومية أو شبه حكومية في مؤتمراتهم، ولقد حضرت حفلاً أقامته حركة الإخوان لتكريم المرحوم يوسف العظم في قصر الثقافة.
لكن ما يستحق التوقف هو ظاهرة الاغتراب عن الدولة، وذلك الشعور النفسي لدى بعضهم أنهم خارج الدولة ومؤسساتها، وأنهم طرف خارجي غريب، فهذا أمر في غاية الخطورة.