الإجماع الوطني

تحقيق الإجماع الوطني أمر ممكن وفي متناول اليد، إذا تم الشروع بحوار مجتمعي شامل، على طاولة مستديرة، يشارك فيه مختلف القوى السياسية والمكونات الاجتماعية، دون أحكام مسبقة ودوت شيطنة للخصم، ودون التمترس خلف جدران صلبة ومعتمة، تحجب الرؤية، وتمنع التواصل السليم.
من خلال الحوارات المكثفة التي أعقبت إطلاق المبادرة الأردنية للبناء (زمزم)، تم الكشف عن جملة أمور في غاية الأهمية، و عظيم الأثر على وجودنا، ومستقبلنا، حيث ظهرت ملامح إجماع وطني على مجموعة المرتكزات التي أبان عنها خطاب المبادرة خلال العام المنصرم.
طيف واسع ممتد على الثرى الأردني ممن يحملون أفكاراً محافظة، وممن يحملون أفكاراً قومية وعروبية، وممن يحملون أفكاراً يسارية واشتراكية، وممن مكثوا فترة ليست بالقصيرة في الحزب الشيوعي، اشتركوا بحوار معمق حول أفكار مبادرة زمزم، أجمعوا كلهم -بلا استثناء- على هذه الأفكار الجميلة والنبيلة بحسب تعبيرهم، وكلهم يقول بلسان واحد: لا نختلف على هذه المرتكزات وهذه المضامين ولكنها بحاجة لبيئة ثقافية واسعة تحملها وتؤمن بها، وبحاجة لأجيال تستطيع تمثيلها وتنفيذها، بما فيها المرتكز الأول القائل: إن الإسلام يشكل إطاراً حضارياً واسعاً للأمة بكل مكوناتها، ويشكل مصدر هويتها الثقافية الجمعية، ويمثل وجعيتها القيمية السامية.
لقد أيقنت تماماً بأن ممن يحمل الفكر الإسلامي ويبشر به، ويشتق منه برامجه ورؤاه السياسية والاقتصادية، ينبغي عليه أن يحسن توصيل الفكرة، ويحسن توضيحها، وأن يجعل من الإسلام عامل وحدة للمجتمع، وعامل قوة، وعامل نهوض حضاري، وعاملاً للتماسك بين مكونات المجتمع، وسبباً لنشر التسامح والتعايش والتعاون والتكامل بين أفراده، وإطاراً يستوعب التعددية الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية والسياسية، ويجعل منها مصدر ثراء وغنى وليس سبباً من أسباب الصراع والاحتراب الداخلي القائم على التعصب، والانغلاق والفهم الضيق القاصر عن فهم غايات الإسلام ومقاصده العامة.
شعاع/بقية
من يحمل الفكر الإسلامي ينبغي ألا يجعل من الإسلام خطاً للمواجهة والصراع بين مكونات الأمة، وألا يجعل منه سبباً للحقد والضغينة والتباغض والقطيعة، وسبباً لسفك الدماء ونشر الفساد، وهذا موافق لقول الملائكة لله عز وجل عندما أراد أن يجعل في الأرض خليفة، ((قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ))...
هذه الآية تدلل بوضوح أن من يحمل لواء الدين يجب أن يكون سبباً بمنع الفساد ويجب أن يحول دون سفك الدماء، لأن من يجعل من الدين سبباً للإفساد في الأرض وسبباً لسفك الدماء وزهق الأرواح، يكون قد حمل الدين على نقيض مقصده.
هذا فضلاً عن الإجماع على ضرورة التوافق على خدمة الوطن وبنائه وحمايته، ضمن إطار تشاركي تعارفي قادر على جمع الطاقات الوطنية وحشدها في اتجاه البناء والتنمية.
إن الذين يحاولون إغماض أعينهم عن الأفكار والمضامين التي جاءت بها المبادرة، وتوقفوا على الأشخاص: ما هي أصولهم وما هي عشائرهم، وما هي ألوانهم؟ هؤلاء معوّقون للإجماع الوطني، وجعلوا من أنفسهم معاول هدم في المجتمع الواحد، إن لم يستطيعوا النهوض بأنفسهم إلى مستوى الفكرة ومنهج استعمال العقل.
( الدستور 9-10-2013 )