حكايةُ بلدٍ يُدعى لبنان!

هذه الحكاية، "الحدوتة"، الأغرب من الخيال بتفاصيلها ووقائعها، إنما توجز مأساة لبنان المزمنة والمضنية والمدمّرة، لبنان ذلك البلد الذي كان يوماً قبلة الشرق والغرب وجسرهما، والذي كان تالياً مالئ الدنيا وشاغلها:
ثمة أدلَّة لا تُحصى على أن تهجير ما تيسَّر من الأجيال اللبنانية الشابة، إنما يصبُّ في الخانة ذاتها التي تروي قصصاً تشيب من هولها رؤوس الأطفال: مخطّطات لتعطيل الحكم، أزمات مفتعلة واضطرابات مفبركة تستقبل كل موسم اصطياف، كما تستبق كل مناسبات تعيد الروح إلى حركة السياحة، وإطلالات رجال الأعمال والمشاريع.
وما أكثر الأمثلة والشواهد في هذا المجال، حتى أصبح في الإمكان احصاء عدد الزائرين والسائحين...
بالطبع، لا بدَّ من استثناء النازحين من سوريا، لأسباب لا صلة قرابة بينها وبين السياحة والاصطياف، أو الاستثمار والإعمار.
بلد مكربج، مشلول، مفرّغ، معطّل في كل الحقول والميادين، وخصوصاً على صعيد موسم الاصطياف، وموسم الحرير، وموسم العزِّ والرزّ والنارجيلة...
فبعد أن تُعلن الفنادق، والشقق المفروشة، والأجنحة البحرية والجبليَّة أنها قد فوَّلت، ولم تعد قادرة على إضافة اسم واحد... يطل "الجناح العسكري" ببلاغاته، وتتوزّع الدواليب على الطرق المؤدية الى المطار، ثم تندلع النيران ويخيٍّم الدخان فوق بيروت.
يلي ذلك مباشرة، إما خطف زائر عربي، وإما التهديد بخطف كل مَنْ يحمل هذه الجنسيَّة العربيَّة أو تلك...
في اليوم التالي تنهال على المؤسسات السياحية اتصالات إلغاء الحجوزات من فجّ وغميق.
هكذا، على هذا المنوال، صيفاً شتاءً. ربيعاً خريفاً. ومنذ سنوات. مما حوّل عاصمة العالم العربي بيروت مدينة شبه مهجورة، وتكاد تفرغ ليلاً حتى من الحد الأدنى من السيارات، والناس، والمتاجر المفتوحة.
وفوق هذا كله، أو إكمالاً له، يحرص البعض من السياسيين والقادة ومن إليهم على ابقاء البلد بلا حكومة. بلا مؤسَّسات فاعلة. بلا حضور أو وجود للدولة. بلا حياة أو حركة في ساحة النجمة حيث يربض مجلس النواب. ولا حياة ولا حركة في السرايا حيث تجلس عادة الحكومات.
بلد يقود حاله بحاله. بلد يخترقه كلّ من يشاء ساعة يشاء. بلد تشلّه تجمعات مسلحة في هذه المدينة أو تلك، في هذه المنطقة أو هاتيك. فالى متى هذه المعاناة، هذه المأساة، هذه الكوارث المدمرة لوطن كان نموذجاً للشرق والغرب، ومضرب مَثَل للعرب وللعجم معاً؟
فإذا هو في الكرنتينا التي اقترحها له جورج شولتز منذ ثلاثين عاماً. وإذا بكبار المسؤولين لا يدرون متى يمكنهم أن يؤلّفوا حكومة.
( النهار اللبنانية 13-10-2013 )