الاقتصاد في حالة "كوما"

بغض النظر عن الفهم الخاطئ من قبل البعض حول طبيعة تداعيات الازمة العالمية وقراءتهم المغلوطة لمدلولات أرقام النمو الاخيرة, فان حالة الاقتصاد الاردني اليوم شبيهة بحالة المريض الذي دخل في غيبوبة "كوما", لا يملك من مقومات العيش سوى ادوات التنفس الاصطناعي الذي تقدم له.
اليوم تظهر مشكلة الموازنة الرئيسية في تقديرات خاطئة للمساعدات الخارجية التي بلغت حتى نهاية اب الماضي 102.7 مليون دينار مقارنة مع 480.7 مليون دينار, بتراجع مقداره 378 مليون دينار ونسبته 78.6 بالمئة, علما ان التقديرات الرسمية في الموازنة كانت 689 مليون دينار , مما ادى الى تنامي عجز الموازنة ووصوله الى اكبر مستوياته منذ عقدين من الزمان, ومن المرجح ان يتجاوز ال¯ 1.1 مليار دينار مع هذه نهاية العام.
حالة الاستسلام وانتظار المساعدات جعلت حالة " الكوما" ليست محصورة على الاقتصاد الكلي فقط وانما على سلوك الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة, حيث تشعر وانت تراقب تصرفاتهم وحركاتهم البطيئة انهم غير مبالين في اتخاذ اية تدابير لوقف النزيف الذي اصاب الاقتصاد , وان الحل هو منحة خليجية طال انتظارها, وانها ستفرج على الجميع, مما يدلل مدى محدودية التفكير لمواجهة تداعيات الوضع الاقتصادي المتدهور.
للخروج من حالة "الكوما" في الاقتصاد الاردني, لا بد ان يكون هناك فريق عمل مدرك لطبيعة الاقتصاد مع الفهم العميق لخصوصية فئات المجتمع الاردني, وهذا يكون من خلال وجود خطة عمل واضحة المعالم محددة الاهداف ضمن فترة زمنية معينة ينفذها فريق عمل متجانس فكريا ويعلم جيدا "مطبخ صنع القرار الاقتصادي" من الداخل جيدا.
حتى في ظل محدودية الموارد المالية وتراجع الايرادات باستطاعة الحكومة ان تتحرك تجاه انعاش الوضع بدلا من حالة الاستسلام والتصيد بالقطاع الخاص الذي يعاني معظم المستثمرين الكبار فيه من ازمة سيولة بسبب تشدد البنوك, ولو كان هناك فهم لطبيعة الازمة العالمية لعلم المسؤولون ان احجامهم عن التحاور مع القطاعات الاقتصادية الرئيسية سينعكس سلبا على ايرادات الخزينة العام المقبل بسبب التباطؤ التي يمر بها الاقتصاد والتراجع الذي اصاب الكثير من الانشطة الاقتصادية وبالتالي فان تحصيلات الضريبة من الدخل والمبيعات ستتراجع اضافة الى ان تنامي الاسعار خاصة النفط سيعيد كابوس التضخم من جديد في الفترة المقبلة مما سيضعف القوة الشرائية للاردنيين.
تعزيز الثقة بالاقتصاد مسألة في غاية الاهمية لدى اي راسم للسياسة الاقتصادية, فالانطباعات عند الافراد ورجال الاعمال والمستثمرين عامل حسم في التحفيز الاقتصادي الذي لا تملك الخزينة الاموال الكافية لتوفيرها له كما هو حاصل في الدول الاخرى, وهذا يتم من خلال التعاون بين القطاعين على حل الاشكاليات الاقتصادية بينهما على اسس الشراكة بين الجانبين وليس التصيد بتعثر الاخر كما هو الان معمول به.
لن يكون هناك ضبط للعملية الاقتصادية بوجود فريق اقتصادي وزاري على هذا النحو, لان المحصلة النهائية التي وصل اليها الاقتصاد بعد كل التجارب التي قادها اشخاص بعيدون عن رحم الدولة ادت الى ما نحن عليه من فقدان الهوية الاقتصادية, فلا نحن اقتصاد ليبرالي ولا اشتراكي ولا مختلط, وكل ما نشاهده اليوم اجراءات وسياسات اقرب لاسلوب الفزعة.
الغريب في الامر ان الكثير من دول العالم بدأت تتحدث عن تعافي اقتصادياتها وقرب خروجها من الازمة وعودة النمو من جديد لاقتصادياتها, في حين نشاهد ان الاقتصاد الاردني يسير عكس المؤشرات العالمية, ففي الارباع الثلاثة الاخيرة نجد ان ارقام النمو اتجهت للتراجع وبلغت للفترة الماضية (,4.2 ,3.2 2.8) بالمئة على التوالي.
المرحلة الراهنة حاسمة للاقتصاد الاردني, فقد وصل الى آخر النفق المظلم, اذا لم يكن هناك ادارة حصيفة لانقاذه مما يمر فيه الان بالاستعانة برجال وطنيين مخلصون للوطن المليك ويدركون ما يجري في العالم من تغيرات, فان الاقتصاد عندها سيكون على المحك وما اشبه الليلة بالبارحة.0