تاء تأنيث أم تابوت؟

تم نشره الثلاثاء 03rd كانون الأوّل / ديسمبر 2013 01:04 صباحاً
تاء تأنيث أم تابوت؟
خيري منصور

سواء سمّي تقريراً أو بحثاً استقصائيا أو حتى استفتاء فإن ما صدر عن مؤسسة طومسون رويترز عن أوضاع المرأة العربية يتطلب وقفة وتأملاً في تاء التأنيث العربية التي تحولت إلى تابوت، فالوأد يعاد إنتاجه ثقافيا في الألفية الثالثة، لكنه يأخذ أشكالا وتجليات مختلفة، وقد يكون الوأد الحديث أبشع من الوأد الجاهلي لأنه يدفن المرأة داخل جسدها ويستأصل إرادتها ويبقيها على قيد الحياة.

مصر التي كانت رائدة تحرير المرأة منذ قاسم أمين وهدى شعراوي أصبحت الآن في آخر القائمة العربية من حيث أوضاع النساء فحملت الرقم 22 وتصدرت القائمة وحملت الرقم واحد جزر القمر!!!

وحين كتب المفكر المصري د. جلال امين كتابه «ما الذي حدث للمصريين» لم يكن هذا التقرير قد صدر ليقول لنا ما الذي جرى لحفيدات هدى شعراوي؟ وما العوامل التي أدت الى حصار المرأة؟

فالتحرش مجرد مظهر من مظاهر الوأد الحديث لأنه يحول المرأة من إنسان الى مجرد شيء وتشييئ البشر كما يقول الفلاسفة أنكى من إعدامهم، لأنه يحرمهم من امتيازهم الآدمي.

لكن معرفة السبب أحياناً تبدد العجب، فكيف لا يتراجع دور المرأة وتشوه صورتها إذا كانت هناك أكثر من خمسين فتوى قد أعادتها إلى بيت الدمية، وبيت الدمية هو عنوان مسرحية شهيرة لهزيل ابسن عن الأنوثة المهدورة.

من تلك الفتاوى مثلاً ألا تقوم المرأة بأي فعل داخل منزلها في غياب زوجها حتى لو كان ذلك الفعل تشغيل جهاز تكييف، كيلا يعلم الجيران أنها وحدها في المنزل، ومنها أيضا تحريم ملامسة الموز والجزر وتحريم السباحة لأنها إذا جازفت بالدخول الى البحر تعتبر زانية، لأن البحر وفق هذا الفقه العجيب الملفّق والذي لا صلة له بالدين يعد ذكرا !

وكيف لنا أن نتصور أن الدين الذي أنقذ الأنثى من الوأد وكرّمها يعود من يسيئون فهمه ويشوهون شرائعه للوأد بصورة أكثر فظاعة!

قبل أكثر من أربعة عقود كان من أبرز أساتذتنا في الجامعة نساء منهن: د. لطيفة الزيات التي تعادل ألف ذكر في ثقافتها وموقفها السياسي ودورها في التنوير ومنهن د. سهير القلماوي التي تركت بصماتها على أكثر من جيل أكاديمي.

الآن وبعد كل ذلك الكدح من أجل تحرير المرأة تصبح مصر في آخر القائمة، ليس بالنسبة لأوروبا أو أمريكا أو كندا، بل بالنسبة للوطن العربي، وهذا بحد ذاته مؤشر كارثي على المجتمع برمته، لأن المرأة حيّ تأتمنه المجتمعات على المستقبل.

وليس تقرير مؤسسة طومسون رويترز يتيماً في هذا السياق، فمعظم تقارير التنمية البشرية ينذر العرب بالطرد من التاريخ إذا استمرت متوالية التجهيل والوأد وشل الإرادة.

ويكفي أن نتذكر نسب الأمية المتفاقمة في بلدان تعج بالجامعات والمعاهد، ومنها من احتفل بوداع آخر أمّي قبل عدة عقود..

فأي تقهقر هذا؟ وأية ساعة حمقاء هذه التي تدور عقاربها إلى الوراء؟!

( الدستور الأردنية 2013-12-03 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات