«القدس» في عين العاصفة

هدأت العاصفة بشأن القدس ، وهو هدوء اسفر عن ردة موجات المتطرفين من جهة ، وعن اعادة فتح الحرم القدسي للمصلين والزوار ، وهي عاصفة ستعود مجددا في مقبل الايام.
خلال هذه العاصفة لم نسمع كلمة لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ، محمود عباس ، المشغول بالدفاع عن نفسه ، على خلفية تقرير غولدستون ، وعن نجله ، على خلفية اتهامه بوجود صفقة للحصول على رخصة اتصالات خلوية جديدة ، وتهديدهم برفع دعاوى قضائية على من اتهمهم مباشرة بقصة الصفقة ، وهي مفارقة اخرى ، فلم نسمع ايضا عن اي تهديد برفع اي دعاوى قضائية على اسرائيل من اجل حماية المقدسات ، فالسمعة الشخصية ، والذود عنها ، اهم من المسجد الاقصى.
علينا ان لا ننسى ان الحفريات تحت المسجد الاقصى لم تتوقف ، وتخطيط اسرائيل لهدم المسجد الاقصى يبقى قائما ، لانه مستمر منذ مئات السنين ، وكانت ذروته في العقود الستة الاخيرة ، وبناء عشرات الكنس حول المسجد الاقصى ما زال مستمرا ، بالاضافة الى هدم الاحياء حوله وبناء المساكن للاسرائيليين ، وبقية المخططات التي يتم الاعلان عنها ، وتلك التي لا يتم الاعلان عنها ، بما يعني بشكل واضح ان هذه جولة لم تنتصر فيها اسرائيل ، وهي جولة في حرب طويلة.
اخطر جانب في هذه القضية هو اختبار اسرائيل لردود فعل العالم كله. وردود فعل العالمين العربي والاسلامي ، وردود الفعل هنا لا يدخل في حسابها مسيرة ولا مظاهرة ولا بيان ناريا ، فكل هذا لا تحسب اسرائيل له حسابا ، وهي اختبرت ما يمكن ان يؤثر عليها عمليا ، وليس معنويا ، وبهذا المعنى فان الجولة الاخيرة كانت مجرد "بروفة" تجريها اسرائيل لمعرفة ما الذي سيحدث لو حسمت اسرائيل امرها بهدم المسجد الاقصى ، وما هي ردود الفعل التي سيصل اليها المشهد على كافة الصعد.
ارتفعت الغمامة السوداء عن المسجد الاقصى والتي ظللته لثمانية ايام ، غير ان المعركة لم تنته ، وما يمكن حسابه ايجابيا للاردن في هذا الصدد كثير وكبير ، غير ان المؤسف والمؤلم حقا ، ان العالم العربي والاسلامي بأنظمته ودوله بقي يتفرج على المشهد ، باعتبار ان هذه مسؤولية الاردن وعليه ان يخلص شوكه بيديه ، وهي مفارقة كبيرة ، لان هناك من يريد ان يتحمل الاردن المسؤولية السلبية لو صحونا على خبر هدم مفاجئ للمسجد الاسير.
القدس خط احمر ، وعلى الاردن ان يقول للعرب والمسلمين بأن يتحملوا مسؤوليتهم السياسية والمعنوية والاقتصادية ، بدلا من ترك الاردن وحيدا على طريقة "اذهب انت وربك فقاتلا" وبدلا من ترك المقدسيين فرادى على ذات الطريقة ، وكأن المسجد مجرد موقع اثري ، ازيل مثله عن الوجود الاف المرات عبر التاريخ ، وكان نعيه في تقرير بستة لغات من اليونسكو.
القدس لم تخرج من عين العاصفة.
mtair@addustour.com.jo