مشكلات اجتماعية مسكوت عنها

تبدو النظرة الاسلامية الى الانسان شاملة متكاملة ، اذ لا يطغى جانب على جانب ، ولا يستأثر الاهتمام طرفا دون اخر ، فثمة تأكيد على حرية الانسان وكرامته ، وعلى سلامة حياته ومعيشته ، وعلى امنه وكافة حقوقه ، لكن غياب الاسلام عن التطبيق ، وتراجع مؤسساته عن العمل بهذا المفهوم ، افرز حالة من الاختزال ، لا على صعيد الفهم فقط ، وانما العمل ايضا ، فرأينا بعض الجوانب تتقدم على غيرها ، فيما تتأخر اخرى بدون اسباب مقنعة ، فما ولد لدى الدول والحكومات الاسلامية احساسا او قل قناعة مشابهة ، انتهت بها الى اهمال بعض هذه المسائل وعدم ايلائها ما تستحقه من اهتمام.
ابرز تلك القضايا المهملة هي المشكلة الاجتماعية ، ومع انه يبدو مفهوما في سياق التغيرات الاجتماعية والتحولات القيمية ان تصاب مجتمعاتنا بزلازل مختلفة ، وان يعاني الناس من غياب الامن الاجتماعي ، وان تبرز ظواهر جديدة على صعيد الاسرة تحديدا ، الا ان غير المفهوم هو اعتبار هذه المشكلات قضايا فردية ، وربط حالها بالناس انفسهم وبجهود بعض مؤسساتهم الاهلية ، لا بالدول والحكومات وموازناتها التي تخصص - في الغالب - للمشروعات الاقتصادية والسياسية الخالية من البعد الاجتماعي ، ويمكن هنا ان نتساءل: لماذا لم تحظ الاسرة مثلا - التي تتعرض اليوم لمحاولات التفكيك والهدم بما تحظى غيرها من اهتمام وانفاق ، ولماذا لا يصار الى انشاء صناديق حكومية لتمويل الراغبين في الزواج خاصة وان نسبتهم تتصاعد في مجتمعاتنا ، ولماذا نتلقف اجندة الدفاع عن المرأة والطفل وحقوقهما، بمواصفاتها الغربية ، دون ان يكون لنا اجندة خاصة تراعي ثقافتنا ومعتقداتنا ، كما نتساءل: لماذا لا تجد مشكلات مثل العزوف عن الزواج ، او ارتفاع حالات الطلاق ، او شيوع ظاهرة اللقطاء او انتشار الرذيلة ، او اتساع مساحات العوز والفقر ، او غير ذلك من امراضنا الاجتماعية ما يناسبها من حلول ومعالجات.
المشكلة الاجتماعية التي تبدو في الاسلام على قائمة الاولويات ، باعتبارها الارضية التي تخرج منها كل معيقات التطور والنهضة وبناء الاسلام ، ما تزال غائبة عن اهتمامنا ، والنظرية الاجتماعية التي اصبحت علما في الغرب قلما تجد من يؤصلها اسلاميا ، والامن الاجتماعي الذي ينبغي ان يتقدم على الامن السياسي لا يبدو حاضرا في اولويات دولنا الاسلامية ، وعليه فان ثمة حاجة ملحة من فقهائنا ودعاتنا ، ومن حكوماتنا ايضا ، لاعادة الاعتبار لهذا الجانب ، سواء من جهة الافكار والفتاوى والنظر الشرعي ، او من جهة اقامة مؤسسات وصناديق اجتماعية ترعى الشباب وتحافظ على الاسرة ، وتحمي المجتمع من الفساد الاخلاقي ، وتحصن الاجيال من الخطأ والانحراف.. وهذه مهمة وفريضة دينية ووطنية لا يجوز ان تترك هكذا ، او تجد من غيرنا من يملأ فراغاتها بما شاء من الافكار والتمويلات.
( الدستور 2013-12-20 )