الدور الأردني

نحن والإقليم نمر بمرحلة تاريخية مفصلية، وربما نشهد فصلاً آخر من فصول اللعبة السياسية الطويلة، ذات الفصول والمشاهد العديدة التي انقضت، ولم تنقض آثارها، وما زلنا نصطلي بنارها، ونتجرع مرارتها، ويصيبنا الذهول والنسيان أحياناً وربما الندم والغفلة من خلال الجلوس الطويل على مقاعد المتفرّجين.
ما ينبغي الالتفات اليه في هذا الفصل والتأكد من حقيقة وجوده المتمثل بارتفاع الوعي الشعبي الواسع، لحقيقة المأساة العربية الكبيرة التي تغلف المأساة الفلسطينية العميقة والجرح الفلسطيني النازف، الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن النزف والألم، والذي يسبب الأرق والسهر والحمى لكل الجسد العربي والإسلامي.
ولذلك رغم تقدير الموقف للحالة العربية الذي يغري الصهاينة وحلفاءهم وأصدقاءهم باستثمار لحظة انشغال العرب بمشاكلهم الداخلية، الّا انه من الصعوبة بمكان تمرير هذا الفصل فيما يتعلق بملفات الحل النهائي وفقاً للرغبة (الإسرائيلية) وشهيتها غير المحدودة بفرض ارادتها المنفردة.
إفشال هذا المخطط يقتضي من جميع الأطراف العربية ألا تكرر الاستسلام للدغ من جحر الخديعة نفسه للمرة العاشرة، ابتداء من الفلسطينيين ومن ثم الأردنيين ومن بعدهم كل الشعوب العربية والإسلامية، الذين لن يتخاذلوا عن نصرة المقدسات والتمسك باستعادة الأرض المحتلة، وكامل الحقوق المشروعة.
الأردن معني تماماً بما يجري، ولا يستطيع أن ينأى بنفسه عن تطورات الموقف، وليس المهم أن يجلس الأردن على الطاولة أو في الغرفة المجاورة، ولكن المهم أن يرسم دوره بعناية، ويحدد مهامه بدقة، وأن يسجل للتاريخ موقفاً مشرفاً، يقوم على حفظ الحق الواضح لشعبه وعدم التفريط بحقوق الأجيال القادمة.
نصف الشعب الأردني شرُّد من أرضه ودياره، ويملك حقوقاً ثابتة، لا تملك الإسقاط، ولذلك فإن الدولة الأردنية معنية تماماً بهذه الحقوق والدفاع عنها، وعدم التفريط بها أمام الضغوط الأمريكية والكندية و(الإسرائيلية)، وان الشعب الأردني يفقه تماماً هذه الحقوق ليست للبيع أو للمساومة.
الركيزة المهمة في هذا الموضوع أنه لا يجوز الانتقال بالمفاوضات من الحديث عن جوهر القضية المتمثلة (بالإحتلال) إلى قضايا الأفاق الإنسانية والمشاكل المتعلقة بها، بمعنى أشد وضوحاً: لا يجوز اختزال قضية فلسطين والفلسطينين بمسائل شكلية وقضايا انسانية وتحسين الأحوال المعيشية، وتغييب الحديث عن لب الصراع وجوهره الذي كان سبباً في كل هذه المعاناه وهي (الاحتلال) بالعربي الفصيح.
لا يجوز الخضوع للمنطق الصهيوني، ولا يجوز الانخراط في مخططه الذي يعمل جاهداً على نقل خط المواجهة مع الاحتلال، ويعمل طوال السنوات السابقة على إزالة التناقض مع ما يقوم به من قضم للأرض وتهويد مستمر لم يتوقف، ويعمد الى إيجاد خطوط صراع ومواجهة بين الفلسطينيين والشعوب العربية المجاورة، على قضايا فرعية نتجت عن الاحتلال.
المشكلة الأكثر خطورة في كل هذه المعمعة أن يتم تنفيذ المخطط الصهيوني على يد بعض الأطراف العربية، وأن يتم استغفال الشعوب، وأصحاب الجرح تحت وطأة المعاناة، ومن خلال التعويل على الزمن الكفيل بإسدال ستائر النسيان على الجريمة الحقيقية.
الأردنيون يشعرون بالخوف والرعب من خطورة ما يجري في دهاليز المفاوضات، ومن خطورة تكرار المأساة، ولذلك لا بد من الوضوح والشفافية إزاء المواقف التفصيلية في هذا الملف، على وجه يزيل كل أنواع الغموض والضبابية، من أجل صياغة موقف أردني صلب متجانس رسمياً وشعبياً، وواضح ومحدد دون لبس أو ارتباك، وأعتقد أن هناك فرصة لتصليب الموقف الأردني من خلال المواقف الشعبية الصلبة، وهذا يحتاج إلى جهد مخلص من كل الأطراف للاتفاق على الثوابت الواضحة التي لا تقبل المساومة مهما كان عمق الجرح، ومهما بلغت شدة الألم.
( الدستور 2014-01-21 )