النبلاء الجدد

محاربة الفساد في الاردن ، حبر على ورق ، اذ اننا نتحدث عن الفساد ، كل يوم ، ولانتحدث عن اسماء الفاسدين ، ونتحدث عن محاربته ، ولانتحدث عن نقص التشريعات لمحاربته.
بدلا من الاستئساد على مراسل في دائرة حكومية يرتشي بعشرة دنانير ، علينا ان نذهب الى الفاسدين الكبار ، الذين جمعوا ثروات طائلة ، دون تبرير واضح ، وفي الاردن لدينا اربعة انواع من الاثرياء ، الاول هم من كانوا اثرياء منذ عشرات السنين فورثوا الثراء ، ولايمكن الطعن في نزاهتهم ، والثاني هم الذين تغربوا في دول الخليج واوروبا وأمريكا فجمعوا الثروات في مغترباتهم ، والثالث هم باعة الاراضي الذين لم يحلموا يوما ان تقفز اسعار اراضيهم الى هذا الحد ، والرابع هم اولئك الذين اثروا دون سبب واضح ، اثروا فقط ، دون اي تفسيرات منطقية.
النوع الرابع هو اخطر الانواع ، لانه مستجد ، ولان ابناء هذه الطبقة المستجدة يصولون بسياراتهم في عمان ، بفوقية وحقد ، وبتصرفات تنم عن ثراء جديد وليس اصيلا ، فالنعمة على من لم يتوقعها تتضح في كثير من التصرفات البدائية والهمجية احيانا ، واذا ذهبنا الى اسماء كثيرة ، وجمعنا دخلها من وظيفتها من القطاع الخاص او القطاع العام ، وجمعنا مياوماتها ، وكل ماحصلت عليه ، لاكتشفنا ان المبلغ لايكفي ثمن جناح السيارة التي يقودها نجل هذا او ذاك ، لتكون كل الاسئلة حول الثروة منطقية ، ولاتنم عن حسد او تحاسد او كراهية.
لايمكن الطعن في الثراء على المجمل والعموم ، اذ ان الانواع الثلاثة الاولى مفسرة ثرواتها في الاغلب ، لكنك تتحدث عن طبقة كبيرة ، اثرت خلال السنين الاخيرة دون تفسير ودون منطقية ، وحين تتحدث عن قانون من اين لك هذا الضائع والتائه والمجمد ، تعرف ان مثل هذا القانون وحده يقدم ضمانة اكيدة لتبرير كثير من الثروات ، ولو سألت كثيرا من هؤلاء لقال بعضهم انه ورث ارضاعن والده ، فيما والده لم يورثه شيئا ، ولو طالبته بأوراق رسمية تثبت مصادر ثرواته لعجز عن تقديمها ، لان مصدر الثروة هنا ، من تحت الطاولة ، ولايمكن شرعنته وتوثيقه.
مايحدث في الاردن اليوم ، هو اننا تحولنا الى نماذج عربية اجتماعية ، فقد كان الثراء في الاردن سابقا ، بسيطا دون مظاهر ودون استفزاز للمجتمع ، اما اليوم فقد تحولنا الى مايشبه وجود طبقتين ، نبلاء وشغيلة ، فوق وتحت ، لكل طبقة احياؤها ومطاعمها ومدارسها وجامعاتها ونواديها ، وانت تتحدث هنا عن محدثي النعمة في الاردن ، الذين جن جنونهم بعد الثراء لاسباب مجهولة ، فلم يسألهم احد ، ولم يحاسبهم احد ، باعتبار ان المحاسبة هي من نصيب مراقب صحة قد يتم اتهامه بالتهام صحن حمص نظير عدم مخالفة المطعم ، او من نصيب موظف في بلدية يتم اتهامه بتمرير معاملة رخصة لمنزل او لمكتب ، او لمطعم هنا او هناك.
الفساد مثل الوباء ، بات ينتقل من طبقة الى طبقة ، ومن واحد الى واحد ، لان الجوعى لم يعودوا قادرين على الصبر ، في ظل رؤيتهم لمن ينهش دمهم وبلدهم ليل نهار ، وهكذا يتوسع عدد المنتمين الى نادي الفساد والمفسدين يوما بعد يوم.
"نبلاء وشغيلة"...ووطن صابر ، يراد تكريسه باعتباره الاردن الجديد،.
mtair@addustour.com.jo