ما هو مصير رفات الشهداء؟ الصعود من وادي عربة

عاماً على معاهدة الوادي, وادي عربة, اعوام طويلة لكنها لم تكن قادرة على محو ذلك المشهد الذي تم اعداده لمراسم التوقيع على معاهدة السلام بين الاردن واسرائيل.
هناك في صحراء الوادي الذي كان خط قتال, رفرفت اعلام وأطلقت اسراب الحمام وقيل ان السلام آت. وعلى اطراف المسرح شاهدت مع الاردنيين الذين تابعوا البث التلفزيوني المباشر تعليقات المذيعين في وصف المشهد. قالوا: هناك مقاعد مخصصة لأسر (القتلى من الاسرائيليين) الذين سقطوا خلال الحروب مع الاردن. بالمقابل لم يُذكر شيء عن مقاعد خصصت لأسر الشهداء الاردنيين, ولأني كنت انتمي لاحدى هذه الأسر, اعتبرت ذلك (تنازلاً) ما كان لأن يكون.
والدي, كان بين 14 جنديا اردنياً استشهدوا في معركة كفار عصيون عام 48 اذكر المكان الذي دفنوه فيه من خلال زيارات العائلة اثناء طفولتي, هناك امام الحرم الابراهيمي كانوا يرقدون, وهو أمر بعث فيّ مشاعر العزة والافتخار على الدوام. لكن.. ومنذ تلك - حادثة وادي عربة - وانا احاول ان اعرف مصير رفات شهدائنا, لا رغبة في نقل رفاتهم, فذلك ما لا اوافق عليه ولا أحد من أسر الشهداء يوافق عليه, لانهم رجال ذهبوا ليقاتلوا على ارض فلسطين ومن اجل ترابها المقدس. واكبر تكريم لهم ان يظلوا حيث سقطوا الى ان يلقوا ربهم.
ما ازعجني في العامين الماضيين, تناقض ما اسمع من روايات عن مصير تلك المقبرة امام الحرم الابراهيمي. البعض يقول انها أزيلت في مشاريع تهويد قلب الخليل. وآخرون ينفون ذلك. حاولت عبر اشخاص وعبر الانترنت الاتصال ببلدية الخليل لمعرفة الحقيقة لكن دون جدوى.
شأن شخصي وعائلي أن يجرحني هذا الغموض, لكنه ايضا شأن وطني, فمن حقنا ان نطمئن على رفات شهدائنا.
انتقل من الشأن الشخصي الى العام واقول في ذكرى المعاهدة المشؤومة.. لقد ذهب الاردن الرسمي اليها وسط اغلبية شعبية مؤيدة, كانت آمال السلام لها جناحان يرفرفان, وقبل ان يتم التوقيع عليها في وادي عربة جمع المغفور له الحسين الراحل, اكثر من الفين من ممثلي الشعب في المدينة الرياضية ورفع الجميع ايديهم موافقين.
وعندما ذهب الملك الراحل الى وادي عربة, كان يردد شرطين اكد انه من دونهما لا يكون هناك سلام. (1) ان يكون سلاماً ترضى عنه الاجيال المقبلة. (2) ان تكون المعاهدة جزءاً من سلام شامل كامل بما في ذلك حل القضية الفلسطينية.
اليوم, حان الصعود من الوادي وتلمس الحقائق والوقائع المرّة التالية:
اولاً - لا احد بات راضياً عن هذا السلام, لا الاجيال الحالية ولا الاجيال المقبلة. لقد تعرض الجميع لخدعة اسرائيلية ارادت اخراج الدول المحيطة بفلسطين من دائرة الصراع حتى يكون لها محاصرة الشعب الفلسطيني والاطباق عليه ووضعه في فم غول الاحتلال.
ثانيا - كل النوايا الطيبة التي قدمها الاردن ومصر من اجل السلام والمقرونة بالافعال, لم تُخمد روح الحقد والكراهية والتطرف عند القيادات الاسرائيلية. بل زادتهم شراسة وغطرسة وطمعاً واصبح ديدن اسرائيل هو الاغتصاب والاستيطان والتهويد والسطو على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين. سطو على نهر الاردن, وآخر على تراب ومياه وزيتون الضفة المحتلة, وثالث على القدس, ورابع على المقدسات والحبل على الجرار.
لا أمثل الحكومة ولست نائباً في البرلمان لأبحث في خيارات المستقبل, لكن ضمير الشعب وقلبه ومشاعره اصبحت مستفزة من شيء اسمه السلام والتطبيع مع اسرائيل, لقد حان الوقت للصعود من الوادي, والنظر الى افق ابعد, والتفكير في الحاضر والمستقبل على قاعدة المصالح الوطنية والقومية بعد كل هذه المستجدات الصهيونية الخطيرة.0