اوباما الذي خيب الآمال

لم يعد هناك مجال للشك في ان موقف ادارة اوباما من استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين انحاز تماما الى رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبرنامج حكومته اليمينية. هذه المرة جاء التأكيد على لسان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي قالت ان وقف الاستيطان ليس شرطا لاستئناف محادثات السلام ، وزادت على ذلك بالقول ان تجميد الاستيطان كان دائما من القضايا التي يتم التفاوض عليها، وتحدثت الوزيرة عن تقديم اسرائيل تنازلات غير مسبوقة في اشارة الى الاعلان الاسرائيلي المبهم عن وقف بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية باستثناء اكمال نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية يجري العمل بها. وبهذا فان كلينتون تعيد الكرة الى الملعب الفلسطيني المنقسم الذي لا يستطيع الا ان يصر على موقفه حتى الآن.
هذه التصريحات الجلية تضع حدا لاجواء التفاؤل التي شعر بها كثيرون عقب انتخاب الرئيس اوباما واطلاقه لخطابات وتصريحات بخصوص احقاق السلام وانهاء الصراع وتدشين الدولة الفلسطينية. ومن المفارقة ان التراجع في المواقف والتعهدات والتماهي الكامل مع الموقف الاسرائيلي حدث في فترة قياسية ، حيث لم يمض على تنصيب الرئيس اكثر من عشرة اشهر. وبالقياس مع التحول الذي طرأ على مواقف ادارة الرئيس بوش من القضية الفلسطينية في فترته الرئاسية الاولى فان انحياز ادارة اوباما تجاه اسرائيل وانقلابها على وعودها جرى في فترة زمنية اسرع ، وفي ظروف أقل دراماتيكية.
كنت من الذين عبروا عن شكوكهم حول قدرة الرئيس اوباما على مواجهة اسرائيل وفرض اجندة مغايرة عن تلك التي تعودنا عليها خلال السنوات الثماني الماضية. والسبب في رأيي ان انتخاب اول رئيس اميركي من اصل افريقي حدث تاريخي بلا شك في السياسة الاميركية ، لكنه فرض ضغوطا هائلة على الرجل بسبب وعوده الكبيرة بالتغيير داخليا وخارجيا في ظل ظروف استثنائية. وهو لذلك يشعر بثقل وخطورة المسؤولية في ظل انتقاد الجمهوريين لبرامج ادارته فيما يتعلق بخطة اصلاح نظام التأمين الصحي ، الذي يعرض مصالح كبرى شركات التأمين والدواء للخطر ، اضافة الى اجراءات ادارته لانقاذ النظام المالي واصلاح الاقتصاد وتوفير ملايين فرص العمل.
وفي السياسة الخارجية فان ازمتي العراق وافغانستان اضافة الى حساسية التفاوض مع ايران وتحسين علاقات اميركا بروسيا والصين والتعاون مع حلفاء واشنطن في اوروبا كان من شأنها ان تفرض تحديات على الرئيس الجديد الذي يرى منتقدوه انه لا يملك الخبرة أو الحنكة للتصدي لها. فقد اتهمه اليمينيون بانه هدد أمن اميركا بتخليه عن نشر منظومة الدرع الصاروخي في اوروبا الشرقية ، وها هم يعودون اليوم لينالوا من اسراتيجيته في افغانستان حيث تستعر الحرب ضد الطالبان دون ان تحقق غاياتها ، وفي العراق التي وعد اوباما بتسريع الانسحاب منها ، لكن جنرالاته يقرون اليوم بان الوجود الاميركي هناك سيطول. وجاء منح اوباما جائزة نوبل للسلام لهذا العام ليزيد من هواجس الرجل حول الامال المعقودة عليه ، في الوقت الذي يعترف حتى اقرب المقربين اليه بانه لم ينجز شيئا حتى الآن
ويدرك اوباما انه مدين بفوزه لجهات كثيرة وان الحذر مطلوب لان أي مبادرة خلافية من قبله في أي شأن داخليا كان ام خارجيا ، ستزيد من حدة الخلاف حول نجاعة سياساته وسداد رأيه.
لذا فان مواجهة اسرائيل في هذه المرحلة حول استحقاقات ملف السلام ستكلف ثمنا سياسيا باهظا ، وستتطلب رباطة جأش قد لا يملكها اوباما المنشغل على اكثر من جبهة. من الاسلم له اذن عدم اغضاب نتنياهو واللوبي الصهيوني واصدقاء اسرائيل في الكونغرس ، ومن الافضل لادارة اوباما الضغط على الطرف الاضعف في المعادلة وهم الفلسطينيون الذين لا لوبي لهم ولا اصدقاء ولا نفوذ في واشنطن.
من المبكر الحكم على رئاسة اوباما وانجازاته ، لكن ليس من المبكر ابدا الاعتراف بأن الآمال التي عقدها البعض على الرئيس الديمقراطي الاسود بخصوص احقاق السلام العادل وتلبية مطالب الفلسطينيين قد خيبت الظن. لقد فقد اوباما بريقه وحتى المعلق السياسي توماس فريدمان اعترف بأن مشروع الرجل فقد شاعريته وانه بحاجة الى اعادة الوهج الى ادارته.